وقد سمعت أخا شيخ الإسلام يذكر هذا النقص الذي حكاه القاضي إسماعيل في المبسوط عن مالك لهذا المعترض يحضره بعض ولاة الأمر، فغضب المعترض غضباً شديداً، ولم يجبه بأكثر من قوله: هذا كذب على مالك، فانظر إلى جراءة هذا المعترض وإقدامه على تكذيب ما لم يحط بعلمه بغير برهان ولا حجة، بمجرد الهوى والتخرص، وليس هذا ببدع منه، فإنه قد عرف منه مثل ذلك في غير موضع، وهو من أشد الناس مخالفة لمالك في هذا المواضع التي لا يعرف لأحد من كبار الأئمة أنه خالف مالكاً فيها، بل قد حمله فرط غلوه ومتابعته هواه على نسبة أمور عظيمة لا أحب ذكرها إلى من قال يقول مالك في هذه المواضع التي لا يعرف عن إمام متبوع مخالفته فيها نعوذ بالله من الخذلان.
ومن العجب أن هذا المعترض صحح الحكاية المنقولة عن مالك مع أبي جعفر المنصور، لأن فيها ما يتابع هواه مع أنها غير صحيحة، بل هي باطلة موضوعة، وكذب هذا النقل الثابت الذي ذكره القاضي إسماعيل في المبسوط لشدة مخالفته لهواه، وما ذهب إليه، وأعرض عما ذكره أيضاً في المبسوط من قول مالك: لا أرى أن يقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم يدعو، ولكن يسلم ويمضي، لأنه مخالف لهواه، وتمسك بما تقدم ذكره في الموازنة لمتابعته هواء في ظنه، وهكذا عادته ودأبه يكذب النصوص الثابتة أو يعرض عنها، ويقبل الأشياء الواهية التي لم تثبت والأمور المجملة الخفية ويتمسك بها بكلتا يديه، وليس هذا شأن من يقصد الحق وإيضاح الدين للخلق نسأل الله التوفيق.
وأما ما ذكره عن أبي محمد الشارمساحي المالكي من قوله.. إن قصد الانتفاع بالميت بدعة إلا في زيارة قبر المصطفى وقبور المرسلين، فهذا القول يحتاج إلى نظر كما سنذكر، وقد وافق المعترض الشارمساحي المالكي في الجملة الثانية، وأما في الأولى فقال: وهذا الذي ذكره في الانتفاع بقبور المرسلين صحيح، وكذلك سائر الأنبياء، وأما ما ذكره في غير الأنبياء، فسأتكلم عليه إن شاء الله تعالى في زيارة قبور غير الأنبياء.
ثم قال في موضع آخر: وهذا الذي استثناه من قبور الأنبياء والمرسلين صحيح، وأما حكمه في غيرهم بالبدعة ففيه نظر، ولا ضرورة بنا هنا في تحقيق الكلام فيه، هذا هو الذي وعد بذكره، ولم يأت بشيء غير قوله: وأما حكمه في غيرهم بالبدعة ففيه نظر، وكأنه يميل إلى أن قصد الانتفاع بالميت ليس ببدعة مطلقاً، ولكنه لم يجسر على التفوه بذلك، مع أنه قد جسر على ما هو أشد من ذلك.
وأعلم أن قول الشارمساحي إن قصد الانتفاع بالميت بدعة صحيح، وهو سر الفرق