للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأيضاً فإن ذلك بدعة فقد كان المهاجرون والأنصار على عهد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم يجيئون إلى المسجد كل يوم خميس مرات يصلون، ولم يكونوا يأتون مع ذلك إلى القبر يسلمون عليه لعلمهم رضي الله عنهم بما كان النبي صلى الله عليه وسلم يكرهه من ذلك وما نهاهم عنه وأنهم يسلمون عليه حين دخول المسجد والخروج منه، وفي التشهد كما كانوا يسلمون عليه كذلك في حياته، والمأثور عن ابن عمر يدل على ذلك.

وقال سعيد في سننه: حدثنا عبد الرحمن بن زيد (١) ، حدثني أبي عن ابن عمر أنه كان إذا قدم من سفر أتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فسلم، وصلى عليه، وقال: السلام عليك يا أبا بكر السلام عليك يا أبتاه، وعبد الرحمن بن زيد وإن كان يضعف، لكن الحديث المتقدم عن نافع الصحيح يدل على أن ابن عمر ما كان يفعل ذلك دائماً ولا غالباً، وما أحسن ما قال مالك: لن يصلح هذه الأمة إلا ما أصلح أولها ولكن كلما ضعف تمسك الأمم بعهود أنبيائهم ونقص إيمانهم عوضوا عن ذلك بما أحدثوا من البدع والشرك وغيره انتهى ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله تعالى.

ومن الأشياء المنقولة عن مالك ما ذكره إسماعيل بن إسحاق القاضي، وهو من أجل علماء المسلمين في كتابه المبسوط لما ذكر قول محمد بن مسلمة، أن من نذر أن يأتي مسجد قباء، فعليه أن يأتيه، قال: إنما هذا فيمن كان من أهل المدينة وقربها ممن لا يعمل المطي إلى مسجد قباء، لأن أعمال المطي اسم للسفر، ولا يسافر إلا إلى المساجد الثلاثة على ما جاء عن النبي في نذر ولا غيره، قال وقد روي عن مالك أنه سئل عمن نذر أن يأتي قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن كان أراد المسجد فليأته، وليصل فيه، وإن كان إنما أراد القبر، فلا يفعل للحديث الذي جاء: ((ولا تعمل المطي إلا إلى ثلاث مساجد)) الحديث (٢) .

وهذا الذي نقله في المبسوط عن مالك لا يعرف عن أحد من الأئمة الثلاثة خلافة ولم يذكر المعترض في موضع من كتابه، فإما أنه لم يقف عليه، وإما أنه وقف عليه وتركه عمداً (٣) .


(١) عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف جداً.
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) وهذا يشبه عمل محمد بن علي الصابوني ومحمد بن علوي مالكي فإنهما يحرفان الكلم عن مواضعه ويقطعون كلام أهل العلم بما يتمشى مع أهوائهما.

<<  <   >  >>