للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أبي قال: كان الناس يصلون إلى القبر، فأمر عمر بن عبد العزيز فرفع حتى لا يصلى إليه الناس، فلما هدم بدت قدم بساق وربكة قال: ففزع من ذلك عمر بن عبد العزيز فأتاه عروة فقال: هذه ساق عمر بن الخطاب رضي الله عه وركبته، فسرى عن عمر بن عبد العزيز وهذا أصل مستمر فإنه لا يستحب للداعي أن يستقبل إلا ما يستحب أن يصلي إليه.

ألا ترى أن الرجل (١) لما نهى عن الصلاة إلى جهة المشرق وغيرها فإنه ينهى أن يتحرى استقبالها وقت الدعاء، ومن الناس من يتحرى وقت دعائه واستقبال الجهة التي يكون فيها الرجل الصالح سواء كانت المشرق أو غيره، وهذا ضلال بين وشرك واضح، وكما أن بعض الناس يمتنع من استدبار الجهة التي فيها الصالحون وهو يستدبر الجهة التي فيها بيت الله وقبر رسوله، وكل هذه الأشياء من البدع التي تضارع دين النصارى.

ومما يبين لك ذلك أن نفي السلام على النبي صلى الله عليه وسلم قد راعوا فيه السنة حتى لا يخرج إلى الوجه المكروه الذي قد يجر إلى إطراء النصارى عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تتخذوا قبري عيداً)) (٢) وبقوله: ((لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم)) فإنما أنا عبد،فقولوا عبد الله ورسوله)) (٣) وكان بعضهم يسأل عن السلام على القبر خشية أن يكون من هذا الباب حتى قيل له: إن ابن عمر كان يفعل ذلك ولهذا كره مالك رضي الله عنه وغيره من أهل العلم لأهل المدينة كلما دخل أحدهم المسجد أن يجيء فيسلم على قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه.

قال: وإنما يكون ذلك لأحدهم إذا قدم من سفر، أو أراد سفر، أو نحو ذلك، ورخص بعضهم في السلام عليه إذا دخل المسجد للصلاة ونحوها،وأما قصده دائماً للصلاة والسلام فما علمت أحداً رخص فيه، لأن ذلك نوع من اتخاذه عيداً، مع أنا قد شرع لنا إذا دخلنا المسجد أن نقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته (٤) ، كما نقول ذلك في آخر صلاتنا، بل قد استحب ذلك لكل من دخل مكاناً ليس فيه أحد أن يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فيسلم، لما تقدم من أن السلام عليه يبلغه في كل موضع،فخاف مالك وغيره أن يكون فعل ذلك عند القبر كل ساعة نوعاً من اتخاذ القبر عيداً.


(١) في اقتضاء الصراط المستقيم: (المسلم) بدل قوله: الرجل.
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) تقدم تخريجه
(٤) انظر رسالتنا: إتحاف الراكع الساجد بأذكار الدخول والخروج من المساجد.

<<  <   >  >>