وقد قال عبيد الله بن عمر العمري: ما نعلم أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك إلا ابن عمر، فهذا قاله عبيد الله فيما كان ابن عمر يفعله من السلام إذا قدم من سفر، وأما هذا الذي زعم المعترض أنه من الأمور المعلومة التي لم نزل قبل مالك وبعده فإنه لم ينقل عن أحد من السلف لا من الصحابة رضي الله عنهم، ولا من التابعين لهم بإحسان، بل نحن نطالب هذا المعترض بالنقل، فنقول له: من روى هذا من الأئمة، وأين إسناده وفي أي كتاب هو، وعمن تأثره من الصحابة والتابعين، وهل وقفت عليه في ديوان، أو أنت تقوله برأيك وتلزمه بكلام من لم يلزمه.
وما أحسن قول سفيان الثوري: الإسناد سلاح المؤمن، فإذا لم يكن له سلاح فبأي شيء يقاتل وقول عبد الله بن المبارك، الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال: من شاء ما شاء، ولكن إذا قيل من حدثك نفي ,
وقد قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في كتاب اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم في أثناء كلامه، وأما ما ذكر في المناسك أنه يستقبل القبلة ويجعل الحجرة عن يساره لئلا يستدبره، وذلك بعد تحيته والصلاة والسلام، وثم يدعو لنفسه.
وذكروا أنه إذا حياه وصلى عليه يستقبله بوجهه بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، فإذا أراد الدعاء جعل الحجرة عن يساره واستقبل القبلة ودعا، وهذا مراعاة منهم، لذلك فإن الدعاء عند القبر لا يكره مطلقاً بل، يؤمر به للميت،كما جاءت به السنة فيما تقدم ضمناً وتبعاً، وإنما المكروه أن يتحرى المجيء للقبر للدعاء عنده.
وكذلك ذكر أصحاب مالك قالوا: يدنوا من القبر فيسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو مستقبل القبلة يوليه ظهره وقيل / لا يوليه ظهره، فإنما اختلفوا لما فيه من استدباره، فأما إذا جعل الحجرة عن يساره فقد زال المحذور بلا خوف، وصار في الروضة، أو أمامها.
ولعل هذا الذي ذكره الأئمة أخذوه من كراهة الصلاة إلى القبر، فإن ذلك قد ثبت النهي فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم (١) ، فلما نهى أن يتخذ القبر مسجداً أو قبلة أمروا بأن لا يتحرى الدعاء إليه، كما لا يصلي إليه، ولهذا والله أعلم حرفت الحجرة وثلثت لما بنيت فلم يجعل حائكها الشمالي على سمت القبلة، ولا جعل مسطحا، وكذلك قصدوا قبل أن تدخل الحجرة في المسجد، فروى ابن بطة بإسناده معروف عن هشام بن عروة، حدثني
(١) يعني قوله عليه الصلاة والسلام ((لا تصل إلى قبر)) وقد تقدم تخريجه وسيأتي أيضاً.