للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ممنوع منه، وتكلموا في شد الرحال لمجرد زيارة القبور، فمن مانع لذلك كمالك والجمهور، ومن مبيح له كطائفة من المتأخرين، وهذا المعترض يخالف القولين، فيقول إن طاعة وقربة مع العلم بأن ما ذهب إليه ليس من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين ولا فرق عنده بين من قصد الحج فزار في طريقة، وبين من سافر لمجرد الزيارة، بل كلاهما عنده مستحب وطاعة وقربة، وغير من العلماء فرقوا بين الأمرين فقالوا:إن من قصد الحج فزار في طريقه الزيارة الشرعية، فهو مثاب مأجور، واختلفوا فيمن سافر لمجرد زيارة القبر فمنهم من قال: سفره مباح وهم الأقلون، ومنهم من قال: سفره منهي عنه وهم الأكثرون.

والحجة معهم ولم يقل أحد من مجتهديهم ان سفره طاعة وقربة، وإنما ذهب إلى ذلك المعترض وأمثاله ممن ليس لهم سلف في ذلك ولا دليل عليه وكفى هذا المعترض مخالفة لأهل العلم حتى نسب من قال منهم بالقول الذي عليه الجمهور إلى أنه منع من الزيارة ونهي عنها، وهذه النسبة غنما صدرت منه عن الفهم الفاسد والهوى المتبع (١) والله الموفق.

وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في أثناء كلامه في الجواب الباهر (٢) : وأما السفر إلى قبور الأنبياء والصالحين فهذا لم يكن موجوداً في الإسلام في زمن مالك،وإنما حدث هذا بعد القرون الثلاثة قرن الصحابة والتابعين وتابعيهم، فأما هذه القرون التي أثنى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يكن هذا ظاهر فيها، ولكن بعدها ظهر الإفك والشرك، ولهذا لما سأل سائل لمالك عن رجل نذر أن يأتي قبر النبي، فقال: إن كان أراد المسجد فليأته، وليصل فيه، وإن كان أراد القبر فلا يفعل للحديث الذي جاء: ((لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد)) (٣) ، وكذلك من يزور قبور الأنبياء والصالحين ليدعوهم، أو يطلب منهم الدعاء، أو يقصد الدعاء عندهم لكونه أقرب إجابة في ظنه، فهذا لم يكن يعرف على عهد مالك لا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره، وإذا كان مالك يكره أن يطيل الوقوف عنده للدعاء، فكيف بمن لا يقصد لا السلام عليه، والدعاء له، وإنما يقصد دعاءه وطلب حوائجه منه، ويرفع صوته عنده فيؤذي الرسول ويشرك بالله ويظلم نفسه.


(١) قلت: نعم إنه الهوى المتبع فمثله ليس بجاهل.
(٢) ص ٥٠-٦٢.
(٣) تقدم تخريجه.

<<  <   >  >>