للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم يعتمد الأئمة الأربعة ولا غير الأربعة على شيء من الأحاديث التي يرويها بعض الناس في ذلك مثل ما يروون أنه قال: ((من زارني في مماتي فكأنما زارني في حياتي)) (١) ، ومن قوله: ((من زارني وزار أبي في عام واحد ضمنت له على الله الجنة)) (٢) ،ونحو ذلك، فإن هذا لم يروه أحد من أئمة المسلمين ولم يعتمدوا عليها ولم يروها لا أهل الصحاح، ولا أهل السنن التي يعتمد عليها كأبي داود والنسائي، لأنها ضعيفة، بل موضوعة، كما قد بين العلماء الكلام عليها، ومن زاره في حياته كان من المهاجرين إليه، والواحد بعدهم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه، وهو إذا أتى بالفرائض لا يكون مثل الصحابة، فكيف يكون مثلهم في النوافل، أو بما ليس قربة (٣) ، أو بما هو منهي عنه.

وكره مالك رحمه الله تعالى أن يقول القائل: زرت قبر النبي صلى الله عليه وسلم كره هذا اللفظ، لأن السنة لم تأت به في قبره، وقد ذكروا في تعليل ذلك وجوهاً ورخص غيره في هذا اللفظ للأحاديث العامة في زيارة القبور، ومالك يتحسب ما يستحبه سائر العلماء من السفر إلى المدينة والصلاة في مسجده، وكذلك السلام عليه،وعلى صاحبيه عند قبورهم اتباعاً لابن عمر، ومالك رضي الله عنه من أعلم الناس بهذا، لأنه قد رأى التابعين الذين رأوا الصحابة بالمدينة، ولهذا كان يستحب اتباع السلف في ذلك ويكره أن يبتدع أحد هناك بدعة، فكره أن يطيل الرجل القيام والدعاء عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، لأن الصحابة لم يكونوا يفعلون ذلك وكره لأهل المدينة كما دخل إنسان المسجد أن يأتي قبر النبي صلى الله عليه وسلم، لأن السلف لم يكونوا يفعلون ذلك.

قال مالك: ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، بل كانوا يأتون إلى مسجده فيصلون خلف أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين، فإن هؤلاء الأربعة صلوا أئمة في مسجده والمسلمون يصلون خلفهم، كما كانوا يصلون خلفه وهم يقولون في الصلاة: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، كما كانوا يقولون ذلك في حياته، ثم إذا قضوا الصلاة قعدوا، أو خرجوا ولم يكونوا يأتون القبر للسلام لعلمهم بأن الصلاة والسلام عليه في الصلاة أكمل وأفضل وهي المشروعة.


(١) تقدم تخريجه والكلام عليه.
(٢) تقدم تخريجه والكلام عليه.
(٣) في الجواب الباهر (بفريضة) بدلاً من قوله: قربة.

<<  <   >  >>