وأما دخولهم عند قبره للصلاة والسلام عليه هناك، أو الصلاة والدعاء فإنه لم يشرعه لهم، بل نهاهم، وقال:((لا تتخذوا قبري عيداً وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني)) فبين أن الصلاة تصل إليه من البعيد،وكذلك السلام، ومن صلى عليه مرة صلى الله عليه بها عشراً،ومن سلم عليه سلم الله عليه عشراً، وتخصيص الحجرة بالصلاة والسلام جعل لها عيداً، وهو قد نهاهم عن ذلك ونهاهم أن يتخذوا قبره، وأو قبر غيره، مسجداً، ولعن من فعل ذلك ليتخذوا أن يصيبهم مثل ما أصاب غيرهم من اللعنة.
وكان أصحابه خير القرون وهم أعلم الناس بسنته وأطوع الأمة لأمره، وكانوا إذا دخلوا إلى المسجد لا يذهب أحد منهم إلى قبره، لا من داخل الحجرة ولا من خارجها، وكانت الحجرة في زمانهم يدخل إليها من الباب إذا كانت عائشة فيها وبعد ذلك إلى أن بني الحائط الأخر، وهم مع ذلك التمكن من الوصول إلى قبره لا يدخلون إليه لسلام، ولا لصلاة عليه، ولا لدعاء لأنفسهم، ولا لسؤال عن حديث أو علم،ولا كان الشيطان يمطع فيهم حتى يسمعهم كلاماً أو سلاماً فيظنون أنه هو كلمهم، واقناعهم وبين لهم الأحاديث أو أنه قد رد عليهم السلام بصوت يسمع من خارج، كما طمع الشيطان في غيرهم فأضلهم عند قبره وقبر غيره، حتى ظنوا أن صاحب القبر يحدثهم ويفتيهم،ويأمرهم وينهاهم في الظاهر.
وأنه يخرج من القبر ويرونه خارجاً من القبر ويظنون أن نفس أبدان الموتى خرجت من القبر تكلمهم، أو أن روح الميت تجسدت لهم فرأوها كما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج يقظة لا مناماً.
فإن الصحابة رضوان الله عليهم خير قرون هذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس،وهم تلقوا الدين عن النبي صلى الله عليه وسلم بلا واسطة، ففهموا من مقاصده وعاينوا من أفعاله، وسمعوا منه شفاهاً مل ملم يحصل لمن بعدهم، ولذلك كان يستفيد بعضهم من بعض ما لم يحصل لمن بعدهم، وهم قد فارقوا جميع أهل الأرض وعادوهم وهاجروا جميع الطوائف وأديانهم وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:((لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)) (١) .
وهذا قاله لخالد بن الوليد لما تشاجر هو وعبد الرحمن بن عوف، لأنه عبد الرحمن بن