عوف كان من السابقين الأولين، وهم الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا وهو فتح الحديبية، وخالد هو وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة أسلموا في مدة الهدنة بعد الحديبية وقبل فتح مكة، فكانوا من المهاجرين التابعين لا من المهاجرين الأولين.
وأما الذين أسلموا عام فتح مكة فليسوا بمهاجرين،لأنه لا هجرة بعد الفتح، بل كان الذين أسلموا من أهل مكة لهم الطلقاء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلقهم بعد الاستيلاء عليهم عنوة، كما يطلق الأسير، والذين بايعوه تحت الشجرة، ومن كان من مهاجرة الحبشة هم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار.
وفي الصحيح عن جابر قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية: ((أنتم خير أهل الأرض)) (١) .وكنا ألفاً وأربعمائة ولهذا لم يطمع الشيطان أن ينال منهم من الإضلال والإغواء ما نال ممن بعدهم، فلم يكن فيهم أحد من أهل البدع المشهورة كالخوارج والروافض والقدرية والمرجئة والجهمية، بل كل هؤلاء إنما حدثوا فيمن بعدهم، ولم يكن فيهم من طمع الشيطان أن يتراءى له في صورة بشر، ويقول: أنا الخضر، أو أنا إبراهيم، أو موسى، أو عيسى، أو المسيح، أو أن يكلمه عند قبره، حتى يظن أن صاحبه كلمه، بل هذا إنما ناله فيمن بعدهم، وناله أيضاً من النصارى حيث أتاهم من الصلب وقال: أنا هو المسيح، وهذه مواضع المسامير، ولا يقول أنا شيطان، فإن الشيطان لا يكون جسداً، أو كما قال: وهذا هو الذي أعتمد عليه النصارى في أنه صلب لا في مشاهدته، فإن أحداً منهم لم يشاهد الصلب، وإنما حضره بعض اليهود وعلقوا المصلوب، وهم يعتقدون أنه المسيح، ولهذا جعل الله هذا من ذنوبهم وإن لم يكونوا صلبوه، ولكنهم قصدوا هذه الفعل وفرحوا به، قال تعالى: {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا () وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا () بَل رَّفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ} (النساء ١٥٦-١٥٨) وسبط هذا له موضع آخر.
والمقصود أن الصحابة رضي الله عنهم لم يطمع الشيطان أن يضلهم كما أضل به غيرهم من أهل البدع الذين تأولوا القرآن على غير تأويله وجهلوا السنة إذا رأوا أو