ونحوه اتخاذ له عيداً، وكذلكم ابن عمه حسن بن حسن شيخ أهل بيته كره أن يقصد الرجل القبر للسلام عليه ونحوه عند غير دخول المسجد، ورأى أن ذلك من اتخاذه عيداً.
فانظر هذه السنة كيف مخرجها من أهل المدينة وأهل البيت رضي الله عنهم، الذي لهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قرب النسب وقرب الدار، لأنهم إلى ذلك أحوج من غيرهم، فكانوا أضبط، والعيد إذا جعل أسماً للمكان، فهو المكان الذي يقصد الاجتماع فيه وانتيابه للعبادة عنده، أو لغير العبادة، كما أن المسجد الحرام ومنى ومزدلفة وعرفة جعلها الله عيداً مثابة للناس يحجون فيها، وينتابونها للدعاء والذكر والنسك، وكان للمشركين أمكنة ينتابونها للاجتماع عندها، فلما جاء الإسلام محا الله ذلك كله، وهذا النوع من الأمكنة يدخل فيه قبور الأنبياء والصالحين والقبور التي يجوز أن تكون قبوراً لهم بتقدير كونها قبوراً لهم، بل وسائر القبور أيضاً داخلة في هذا.
انتهى ما أردت نقله من كلام الشيخ رحمه الله تعالى.
وقال غيره في الكلام على قوله صلى الله عليه وسلم:((ولا تجعلوا قبري عيداً وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني)) (١) ، خرج هذا الحديث منه صلى الله عليه وسلم مخرج نهيه عن اتخاذ القبور مساجد، عن الصلاة إليها وإيقاد السرج ومخرج دعائه ربه تبارك وتعالى أن لا يجعل قبره وثناً ومخرج أمره بتسوية القبور المشرفة ونحو ذلك.
كل هذا لئلا يحصل الافتتان بها ويتخذ العكوف عليها وإيقاد السرج والصلاة فيها وإليها وجعلها عيداً ذريعة إلى الشرك لا سيما أصل الشرك وعبادة الأصنام في الأمم السابقة، إنما هو من الأفتتان بالقبور وتعظيمها، فاتخاذه القبر عيداً هو مثل اتخاذه مسجداً والصلاة وإليه، بل أبلغ وأحق بالنهي، فإن اتخاذه مسجداً يصلى فيه لله ليس فيه من المفسدة ما في اتخاذ نفسه عيداً بحيث يعتاد انتيابه والاختلاف إليه والازدحام عنده، كما يحصل في أمكنة الأعياد وأزمنتها، فإن العيد يقال في لسان الشارع على الزمان والمكان كما في حديث الذي نذر أن ينحر ببوانه وقول النبي صلى الله عليه وسلم:((هل كان فيها وثن، هل كان فيها عيد؟)) قالوا: لا قال: ((أوف بنذرك)) وهو حديث حسن صحيح، رواه أبو داود في سننه، فقال: حدثنا داود بن رشيد، حدثنا شعيب بن إسحاق عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني أبو قلابة، قال: حدثني ثابت بن الضحاك قال: نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلاً ببوانه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم: إني نذرت أن أنحر إبلاً