ببوانة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية بعيد؟)) قالوا: لا. قال:((هل كان فيها عيد من أعيادهم؟)) قالوا: لا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((أوف بنذرك، فإن لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم)) (١) .
وفي هذا الحديث دلالة على أن تعظيم المكان المتخذ عيداً بالذبح عنده لا يجوز كما ذبح عند الوثن، كل هذا سد للذريعة المفضية إلى الشرك وحماية وصيانة لجانب التوحيد، فإذا كان صلى الله عليه وسلم قد منع الذبح عند المكان المتخذ عيداً سواء كان قبراً أو غيره فنهيه عن اتخاذ القبر عيداً أولى وأحرى: إذا المفسدة في اتخاذ القبر عيداً أعظم بكثير من مفسدة الذبح عند المكان الذي اتخذه عيداً.
وهذه الأحاديث تدل كلها على تحريم تخصيص القبور بما يوجب انتيابها وكثرة الاختلاف إليها من الصلاة عندها واتخاذها مساجد، واتخاذها عيداً، وإيقاد السرج عليه والصلاة إليها والذبح عندها، ولا يخفى مقاصد هذه الأحاديث وما اشتركت فيه على من شم رائحة التوحيد المحض.
وبهذا يعلم بطلان تأويل من تأول قوله صلى الله عليه وسلم:((لا تجعلوا قبري عيداً)) أي لا تجعلوه في قلة الاختلاف إليه وانتيابه ومتابعة قصده بمنزلة العيد الذي إنما يكون في السنة مرتين، بل اقصدوه في كل وقت واحتشدوا للمجيء إليه وواظبوا على إتيانه من القرب والبعد، واجعلوا ذلك دأبكم وعادتكم، ومعلوم أن هذا مناقض لما علم من سننه في قبره الكريم، وغيره أشد مناقضة وترغيب للنفوس في الوقوع فيما حذر منه أمته، وخاف عليهم منه ومعاكسة له في قصده، ومن المعلوم أن من أراد هذا المعنى الذي ذكره المتأول بقوله:((لا تتخذوا قبري عيداً)) فهو إلى الألغاز ضد البيان أقرب منه إلى الإرشاد والبيان كيف والسنة المعلومة تناقضه أبين مناقضة، بل نفس هذا الحديث يرد هذا التأويل ويبطله، وهو قوله:((وصلوا علي حيثما كنتم)) .
ثم لو كان هذا مراده وحاشاه من ذلك لأني بلفظ صريح أو ظاهر في الترغيب في قصده ن وكثرة الاختلاف إليه كما جاء عنه الترغيب في كثرة الاختلاف إلى المساجد كقوله في الحديث المتفق على صحته: ((من عذر إلى المسجد، أو راح أعد الله له نزلاً