وتجعلون كلامه بمنزلة النص المحكم وكلامه المعصوم إن التفتم إليه بمنزلة المتشابه، فما وافق نصوص من اتخذتموه من دونه وقبلتموه وما خالفها تأولتموه، أوردتموه، أو أعرضتم عنه ووكلتموه إلى عالمه، فنحن ننشدكم الله هل تتركون نصوص من قلدتموه لنصه، أو تتركون نصه لنص من قلدتموه واكتفيتم من خبره عن الله وأسمائه وصفاته بخبر من عظمتموه من المتكلمين الذين أجمع الأئمة الأربعة والسلف على ذمهم والتحذير منهم، والحكم عليهم بالبدعة والضلالة فاكتفيتم من خبره عن الله وصفاته بخبر هؤلاء وجعلتهم خبرهم قواطع عقلية، وأخباره ظواهر لفظية لا تفيد اليقين ولا يجوز تقديمها على أقوال المتكلمين.
ثم مع هذا العزل الحقيقي عظمتم ما يكره تعظيمه من القبور وشرعتم فيها وعندها ضد ما شرعه، وعدتم بها التعظيم على مقصوده بالإبطال، فعظمتم بزعمكم ما يكره تعظيمه وتقربتم إليه بما يباعدكم منه واستهنتم بما الإيمان كله في تعظيمه ونبذتموه وراء ظهوركم،واتخذتم من دونه من عظمتم أقواله غاية التعظيم حتى قدمتموها عليه، وما أشبه هذا بغلو الرافضة في عطي، وهم أشد الناس مخالفة له، وكذلك غلو النصارى في المسيح، وهم من أبعد الناس منه، وإن ظنوا أنهم معظمون له فالشأن كل الشأن في التعظيم الذي لا يتم الإيمان إلا به وهو لازم وملزوم له والتعظيم الذي لا يتم الإيمان إلا بتركه،فإن إجلاله عن هذا الإجلال و (٣) وتعظيمه عن هذا التعظيم متعين.
وقوله: إن المبالغة في تعظيمه واجبة - أيريد بها المبالغة بحسب ما يراه كل أجد تعظيماً حتى الحج إلى قبره والسجود له والطواف به، واعتقاد أنه يعلم الغيب، وأنه يعطي ويمنع، ويملك لمن استغاث به من دون الله الضر والنفع، وأنه يقضي حوائج السائلين ويفرج كربات المكروبين، وأنه يشفع فيمن يشاء ويدخل الجنة من يشاء، فدعوى وجوب المبالغة في هذا التعظيم مبالغة في الشرك وانسلاخ من جملة الدين، أم يريد بها التعظيم الذي شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من وجوب محبته وطاعته ومعرفة حقوقه وتصديق أخباره، وتقديم كلامه على كلام غيره ومخالفة غيره لموافقته ولوازم ذلك، فهذا التعظيم لا يتم الإيمان إلا به، ولكن هذا المعترض وأضرابه عن هذا بمعزل، وإذا أخذ الناس منازلهم من هذا التعظيم فمنزلتهم منه أبعد منزل وهو وخصومه كما قال الأول.
نزلوا بمكة في قبائل هاشم ونزلت بالبيداء أبعد منزل
وقوله: ((إن من ترك شيئاً من التعظيم المشروع لمنصب النبوة زاعماً بذلك الأدب