للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سائر المسجد بل وفي سائر البقاع التي تجوز فيها الصلاة،وهو صلى الله عليه وسلم قد جعلت له ولأمته الأرض مسجداً وطهوراً، فحيث ما أدركت أحداً الصلاة فليصل فإنه مسجد،كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم (١) .

وفي ظن أن زيارة القبر تختص بجنس من العبادة لم تكن مشروعة في المسجد وإنما شرعت لأجل القبر فقد أخطأ، لم يقل هذا أحد من الصحابة والتابعين، وإنما غلط في هذا بعض المتأخرين، وغاية ما نقل عن بعض الصحابة كابن عمر أنه كان إذا قدم من سفر يقف عن القبر ويسلم (٢) ،وجنس السلام عليه مشروع في المسجد وغير المسجد قبل السفر وبعده.

وأما كونه عند القبر فهذا كان يفعله ابن عمر إذا قدم من سفر، وكذلك الذين استحبوه من العلماء استحبوه للصادر والوارد من المدينة وإليها من أهلها، وللوارد والصادر من المسجد من الغرباء،مع أن أكثر الصحابة لم يكونوا يفعلون ذلك ولا فرق أكثر السلف بني الصادر والوارد، بل كلهم ينهون عما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد قال أوب الوليد الباجي: إنما فرق بين أهل المدينة وغيرها، لأن الغرباء قصدوا لذلك، وأهل المدينة مقيمون بها، ولم يقصدوها من أجل القبر والتسليم، قال: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) وقال: ((لا تجعلوا قبري عيداً)) (٣) .

وهذا الذي ذكره من أدلة سوى في النهي، فإنه قوله لا تجعلوا ولا تتخذوا بيتي عيداً، نهي لكل أمة أهل المدينة والقادمين إليها، وكذلك نهيه عن اتخاذ القبور مساجد وخبرة بأن غضب الله اشتد على من فعل ذلك، هو متناول للجميع وكذلك دعاؤه بأن لا يتخذ قبره وثناً، عام.

وما ذكره من أن الغرباء قصدوا لذلك تعليق على العلة ضد مقتضاها فإن القصد


(١) رواه البخاري ١/٤٣٥-٥٣٣ ومسلم ١/٣٧٠ من حديث جابر بن عبد الله ولمسلم عن أبي هريرة وحذيفة، والترمذي ٤/١٣٣ حديث رقم ١٥٥٣ وابن ماجه ١/١٨٧ حديث رقم ٥٦٧ من حديث أبي هريرة إلا أنه عند ابن ماجة مختصراً.
(٢) تقدم.
(٣) تقدم صفحة ٤٧ حاشية (١) .

<<  <   >  >>