للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نفختان نفخة الصعق ونفخة القيامة. قال الشعبي فلم أضبط نفسي أن خففت صلاتي، ثم انصرفت فقلت: يا شيخ اتق الله، ولا تحدثنا بالخطأ إن الله تعالى لم يخلق إلا صورا واحدا، وإنما هي نفختان نفخة الصعق، ونفخة القيامة. فقال لي: يا فاجر، إنما يحدثني فلان عن فلان، وترد علي ثم رفع نعله، وضربني بها، وتتابع القوم علي ضربا معه، فوالله ما أقلعوا عني، حتى حلفت لهم أن الله تعالى خلق ثلاثين صورا له، في كل صور نفخة فأقلعوا عني. فرحلت حتى دخلت دمشق، ودخلت على عبد الملك، فسلمت عليه.

فقال لي يا شعبي: بالله حدثني بأعجب شيء رأيته في سفرك، فحدثته حديث المتقدمين، ضحك حتى ضرب برجليه، ذكره السيوطي في تحذير الخواص ص٥١، ٥٢.

فانظر إلى أي حد بلغ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك العصر، وانظر إلى استماع العامة للأكاذيب، وتعلقهم بها حتى إنهم إذا نصحوا ثاروا على الناصح، فأهانوه وضربوه. فمن ذلك نأخذ أن مهمة المحدثين في هذا الوقت، كانت من أشق ما يكون فقد أفسد القصاص، والزنادقة قلوب العامة وحشوها بالخرافات، وشأن العامة في كل زمان الاستماع للغريب من الحديث، والجلوس إلى القاص، إذا ما كان كلامه عجيبا خارجا عن فطر العقول، أو كان رقيقا يحزن القلوب ويستغزر العيون. وهذا ابن عمر يزجر القاص، ويأمره بالقيام من المسجد فلا يستمع لأمره، حتى يستعين عليه بصاحب الشرطة، فيبعث إليه شرطيا يخرجه إلى غير ذلك من الحوادث.

وقد رأينا أن نتكلم على نشأة الوضع في الحديث، وتاريخه وجهود العلماء لمناهضة الوضاعين في فصل خاص، إن شاء الله عند الكلام على أنواع الحديث في الخاتمة؛ لأن الوضع لم يكن خاصا بعصر من العصور، بل هو وليد العصور جميعها، ونكتفي بهذا القدر الآن.

<<  <   >  >>