الكتاب حيث كتبوا الكتاب بأيديهم، وقالوا هذا من عند الله، وتركوا كتاب الله وراء ظهورهم. وقد حدثنا القرآن عنهم فقال:{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ، فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} . روى البيهقي في المدخل، عن عروة بن الزبير أن عمر بن الخطاب، أراد أن يكتب السنن، فاستشار في ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشاروا عليه أن يكتها فطفق عمر يستخير الله فيها شهرا، ثم أصبح يوما وقد عزم الله له، فقال: أني كنت أردت أن أكتب السنن وأني ذكرت قوما كانوا قبلكم، كتبوا كتبا فأكبوا عليها، وتركوا كتاب الله. وإني والله لا ألبس كتاب الله بشيء أبدا١.
وقد كان هذا رأيا من عمر رضي الله عنه، يتناسب وحالة الناس في ذلك الوقت، فإن عهدهم بالقرآن ما يزال جديدا، لا سيما من يدخل الإسلام من أهل الآفاق، فلو أن السنن دونت ووزعت على الأمصار، وتناولها الناس بالحفظ، والدرس لزاحمت القرآن الكريم، وما أمن أن تلتبس به على كثير. فأراد عمر بثاقب فكره، أن يحبس الناس على القرآن الكريم، حتى يتمكن حفظه من نفوسهم، وترسخ صورته في قلوهم، وينتشر بين خاصهم وعامهم فلا تحوم حوله الشبهات، ولا تؤثر فيه الشكوك والأوهام، فأمر بتقليل الرواية أولا، وأحجم عن كتابة السنن ثانيا، سدا لذرائع الفساد وغلقا لباب الفتنة.
وليس في هذا تضييع للأحاديث، فإنه ما زال الناس خير، وما زالت ملكاتهم قوية وحوافظهم قادرة على حفظ السنن. وقد تتابع الخلفاء على سنة عمر رضي الله عنه، فلم يشأ أحدهم أن يدون السنن، ولا أن يأمر