للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الناس بذلك حتى جاء عمر بن عبد العزيز، فأمر بجمع الحديث لدواع، اقتضت ذلك بعد حفظ الأمة لكتاب ربها، وأمنها عليه أن يشتبه بالسنن.

أول من أمر بتدوين السنة من الخلفاء:

كاد القرن الأول ينتهي، ولم يصدر أحد من الخلفاء أمره إلى العلماء، بجمع الحديث بل تركوه موكولا إلى حفظهم، وبعض كتابات لأفراد منهم يعملونها لأشخاصهم، أو لمن يطلبها منهم. ومرور مثل هذا الزمن الطويل، كفيل بتركيز القرآن في نفوسهم، فقد أصبح يتلوه القاصي والداني، ويعرفه الخاص والعام، لا يختلف فيه أحد، ولا يتشكك في شيء من آياته، ولأول وهلة يسمع المسلم حرفا من القرآن، يعلم لوقته أنه هو القرآن لا غيره، يحمل متانة ألفاظه، وجزالة أسلوبه وقوة إعجازه.

ومرور هذا الزمن الطويل، كفيل بأن يذهب بكثير من حملة الحديث من الصحابة، والتابعين، ويهيئ لكثير من أهل الأهواء، كالخوارج والروافض أن يتزيدوا في الحديث ما شاءوا، وشاءت لهم أهواؤهم.

ومرور مثل هذا الزمن، جعل العرب يختلطون بالأعاجم في البلدان المختلفة، فيحصل بينهم الازدواج والتناسل، فينشأ جيل جديد قليل الضبط ضعيف الحفظ.

لذلك لما أن ولي الخلافة عمر بن عبد العزيز في العام التاسع والتسعين من الهجرة نظر بثاقب رأيه إلى الحديث النبوي، فوجد من الواجب عليه كتابته، وتدوينه، فقد زال المانع وتوفرت الدواعي.

فإزاء هذا كله أصدر عمر بن عبد العزيز، أمره إلى علماء الآفاق بجمع الحديث وتدوينه. روى البخاري في باب كيف يقبض العلم: "وكتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم، انظر ما كان من حديث رسول

<<  <   >  >>