للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في تحملها وأدائها، وذلك؛ لأن السنة لو كانت كالقرآن في وجوب أخذها وأدائها باللفظ المسموع منه صلى الله عليه وسلم، لتحملت الأمة في روايتها من ضروب الضيق والحرج ما لا يحصى، ولو كان القرآن كالسنة في جواز روايته بالمعنى لما كانت النفوس تطمئن إلى الشريعة، ولكان في القرآن منفذ للزنادقة والملحدين، إذ يقولون: لا ثقة لنا بأنه تنزيل من الله، ولكن الله عز وجل صان الشريعة، وخفف عن الأمة.

ولا يغيب عنك أن رواية السنة بالمعنى، يشترط فيها أن يكون الرواي خبيرا باللغة وأسرارها، وبالشريعة ومقاصدها، ذا ملكة قوية فيهما، وأن يكون الحديث الذي يريد روايته بالمعنى ليس من جوامع الكلم، ولا مما يتعبد بلفظه، ولا مما تعيه ذاكرته، فإن كان الراوي غير عالم بأساليب العرب، أو بعلوم الشريعة ومقاصدها، أو كان الحديث من جوامع الكلم، أو مما يتعبد بلفظه كأحاديث الدعاء، أو كان محفوظا للراوي، لم تجز الرواية بالمعنى في هذه الأحوال كلها، ومن ذلك كله يتبين لك أن الرواية بالمعنى لا يترتب عليها إخلال بالسنة، أو عبث بها.

فإن قال قائل بعد هذا البيان: "إن ترك كتابة السنة بين يديه صلى الله عليه وسلم مما يرفع الثقة بها"، قلنا له: معنى ذلك رمي النبي صلى الله عليه وسلم -وحاشاه- بالتقصير في تبليغ الوحي الإلهي، أو معناه أن السنة ليست من الدين، والقول بهذا أو ذاك، ضلال مبين، واتباع لغير سبيل المؤمنين.

٢- الرواية بالمعنى لا تجوز بعد تدوين الحديث:

الرواية بالمعنى لم تكن من الرواة بعد تدوين الحديث، وذلك؛ لأن الأصل في الرواية أن تكون على اللفظ المسموع منه صلى الله عليه

<<  <   >  >>