وسلم، فإذا نسي اللفظ جازت الرواية بالمعنى على سبيل التخفيف والرخصة، وبتدوين الأحاديث زال هذا المعنى الذي أوجب التيسير والرخصة، فوجب أخذ الحديث وروايته بلفظه، ولقد بدأ تدوين الحديث بشكل ظاهر منظم على رأس المائة الأولى، بأمر من الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز، فأخذ العلماء في جميع الأمصار يدونون ما وعته حوافظهم القوية، أو صحفهم المصونة، وتتابعوا على تدوين السنة في مراحل مختلفة، وبطرق متنوعة، إلى أن انتهت تلك المراحل والطرق بظهور الأصول الخمسة، "البخاري، ومسلم، والنسائي، وأبو داود، والترمذي" في القرن الثالث، الذي يعد بحق العصر الذهبي لتدوين السنة، ولقد كانوا في تدوينهم للسنة يقابلون ما يكتبون على الأصول، خشية الزيادة أو النقص بسبب الخطأ أو النسيان، حتى إذا اطمأنوا إلى ما كتبوا صانوا تلك الكتب، أوالصحف عن أن تمتد إليها يد تغير أو تبدل، هذا مع بقائهم على ما كان عليه أسلافهم من حفظ الحديث في الصدور، وإتقانه في الأداء، وتلقيه من أفواه المشايخ بالأسانيد المتصلة، فكان التدوين عاملًا جديدًا من عوامل حفظ السنة وصيانتها، أضيف إلى ما كانوا عليه من حفظ السنة في الصدور، ووعيها في القلوب.
وما ذكرنا من أن الرواية بالمعنى لم تكن بعد تدوين الكتب، ولا تجوز بعدها، نص عليه علماء الحديث الأعلام، منهم الإمام أبو عمرو، عثمان بن عبد الرحمن، المعروف بابن الصلاح، المتوفى سنة ٦٤٢هـ، إذ يقول في مقدمته بعد أن ذكر اختلاف العلماء في جواز الرواية بالمعنى: "ثم إن هذا الخلاف، لا نراه جاريا ولا أجراه الناس -فيما نعلم- فيما تضمنته بطون الكتب، فليس لأحد أن يغير لفظ شيء من كتاب مصنف، ويثبت بدله فيه لفظا آخر بمعناه، فإن الرواية