على شفا جرف هار، لذهبت ثقتنا بجميع العلوم، ذلك؛ لأن علماءها لم يبذلوا فيها، من الدرس والتمحيص، والدقة والتحري، عشر معشار ما بذله علماء الحديث، في حفظ السنة ورعايتها، وتمييز صحيحها من ضعيفها، ومعرفة أحوال رواتها على اختلاف طبقاتهم وأزمنتهم وأمكنتهم، كما بينا، فإذا انهار حصن السنة الحصين، بعد تلك العناية البالغة، التي يشهد بها التاريخ والواقع، لم يبق هناك علم نرجع إليه أو نثق به، وكفى بذلك حمقا وجهلا.
إنك لو فتشت عما يريده هؤلاء المارقون، لرأيتهم يريدون الإتيان على الإسلام من القواعد، لذلك ترى فريقا منهم يحاول صد الناس عن اتباع السنة، عن طريق النيل من حماتها، وتسفيه حملتها، ورميهم بكل نقيصة، بغيا وحسدا، باسم البحث الحر، والدراسة التحليلية، والطريقة العلمية، ومن عجيب أمر هؤلاء أنهم يحملون علماء السنة وحماتها، أوزار الوضاعين، من الجهلة والزنادقة والمغرضين، ويردون ما صح من الأحاديث بإجماع الأئمة، بأخبار ضعيفة، وآثار واهية، ينقلونها عن كتب الأدب والتاريخ، وعن جهلة الشيعة والمعتزلة، وهي إذا وزنت بميزان النقد الصحيح انهارت أسانيدها ومتونها، وذهبت هباء منثورا،
بل ويذهبون بتسعة أعشار السنة، التي تلقاها العلماء بالقبول في جميع الإعصار والأمصار، بحديث من وضع الزنادقة لا وزن له عند علماء السنة، وهو "ما أتاكم عني فاعرضوه على كتاب الله ... " إلخ، ويتظاهرون بإجلال القرآن واحترامه، وأنه الحجة التي ليس وراءها حجة، هذا حال فريق منهم إزاء السنة، وهناك فريق آخر يحاولون أن يتلاعبوا بالقرآن عن طريق التأويلات الباطلة، والأفهام الزائفة، باسم التجديد، ونبذ القديم، ويلتقي هذا الفريق وذاك عند هدف