أما أنه لو لم يثبت القرآن بالتواتر حفظا وكتابة، وكان ثبوته عن طريق الآحاد كالسنة، لكانت الشبهة هي الشبهة، ولكن الله عزوجل قد صانه عن الشبهات بالتواتر، ليضرب لنا فيه الأمثال على صدق السنة:{وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} .
٥- اعتبار التشكيك في الأحاديث يرفع الثقة بجميع العلوم:
ليس لدينا علم من العلوم سعد باتصال الأسانيد بالثقات الضابطين، وتنوع تلك الأسانيد، ومعرفة أحوال الرواة، من جهة شيوخهم وتلاميذهم، وتعديلهم وتجريحهم، وحلهم وترحالهم، ومواليدهم ووفياتهم، مثل علم الحديث النبوي، ففيه من كتب الرجال والطبقات في جميع العصور والأمكنة، ما تستطيع به أن تطلع على تاريخ كل راو من رواة السنة وما قيل فيه، ولو حاولت أن تفعل ذلك أو بعضه مع رواة الأدب، أو مع رواة التاريخ أو غيرهما من العلوم، لالتوى عليك البحث، وأدركك العجز، مهما أوتيت من سعة الذهن، ووفرة المراجع، وسعة الاطلاع.
وقد أتاح الله عز وجل لهذه السنة النبوية المباركة، أن يخدمها في كل عصر ومصر أئمة كرام بررة، وأعلام ثقات مهرة؛ لأنها شارحة للقرآن، ومفصلة لمقاصده، بمقتضى قوله تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} ، فكان حفظها حفظا للقرآن، والعناية بها أخذا وتحملا، سندا ومتنا، عناية بالقرآن، الذي ضمن الله بقاءه على الدهر، بقوله:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} .
ولو أننا ذهبنا نستمع إلى من في قلوبهم مرض، من دعاة الإلحاد، وخصوم الإسلام، وصرنا إلى ما صاروا إليه من الشبهات، المؤسسة