ذلك بما يتلاءم وحال السامعين، من البسط والإيجاز، والوضوح والخفاء١.
فهل ترى في أحاديثه صلى الله عليه وسلم في جميع ما ذكرنا، وتنويعها حسب ما يليق بكل حال، تناقضا واختلافا، أو أن الرواة لم يضبطوا ما سمعوا فترخصوا في الرواية بالمعنى، فكان من ذلك التناقض والاختلاف؟، اللهم لا هذا ولا ذاك، ولكنه الحكمة في التعليم، والرعاية للمناسبات، والتطلف في تبليغ الوحي الإلهي، وإعطاء ما يناسب الأفراد والجماعات، من العظات وبيان الأحكام.
وما لنا نذهب بعيدا، وهذا كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فيه القصة الواحدة لنبي من الأنبياء، تذكر في جملة سور منه على وجوه شتى، فتارة تذكر كلها كاملة، موجزة أو مبسوطة، وتارة يذكر طرف منها في سورة وطرف آخر في سورة أخرى، موجزا ذلك الطرف أو مبسوطا، كل ذلك مع اختلاف الألفاظ، وتنوع العبارات، كما تراه في قصة آدم ونوح وإبراهيم وموسى، وعيسى عليهم الصلاة والسلام، أتر في تصريف القول في كل قصة من قصص الأنبياء مثلا تناقضا واختلافا، كما يراه من في قلوبهم مرض، أم أنه الحق من ربك، يصدق بعضه بعضا، ويشرح المجمل فيه بالمفصل، ويضم طرف من القصة الواحدة في موضع إلى طرف منها في موضع آخر، فتلتئم أطراف القصة، وإن ذلك كله كان لاختلاف المقام، ورعاية الحال، كما يعلمه الراسخون في العلم، قائلين "كل من عند ربنا".
١ فإذا أضفت إلى هذا كله، أو رواة أحاديثه صلى الله عليه وسلم في كل مجلس، قد يروون جميع ما سمعوا، وقد يقتصرون على بعضه، وما يقتصر عليه هذا غير ما يقتصر عليه ذاك تبعا لمواطن الاستشهاد مع المحافظة على اللفظ المسموع، استبان لك أن شبهات الملحدين قد ذهبت هباء.