علمت ما قدمنا أن الرواية بالمعنى لم تكن بعد تدوين السنة، وإنما كانت في القرن الأول قبل فساد اللسان العربي، على قلة وفي حدود ضيقة، وأن رواة الأحاديث كانوا أحرص ما يكون على نقل الألفاظ النبوية نفسها، ومن ثم أجاز المحققون من أئمة العربية الاستشهاد بالأحاديث على إثبات اللغة، وقواعد النحو، ومن هؤلاء ابن مالك والرضي والبدر الدماميني، وصاحب خزانة الأدب، وإليك عبارة صاحب الخزانة، وهي أجمع العبارات وأوفاها في تقرير هذا البحث، قال في الجزء الأول "ص٥، وما بعدها":
"وأما الاستدلال بحديث النبي صلى الله عليه وسلم، فقد جوزه ابن مالك، وتبعه الشارح المحقق "الرضي" في ذلك، وزاد عليه الاحتجاج بكلام أهل البيت رضي الله عنهم، وقد منعه ابن الضائع، وأبو حيان وسندهما أمران:
أحدهما: أن الأحاديث لم تنقل كما سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما رويت بالمعنى.
وثانيهما: أن أئمة النحو المتقدمين من المصريين "البصرة والكوفة".
لم يتحجوا بشيء منها.
ورد الأول -على تقدير تسليمه- بأن النقل بالمعنى إنما كان في الصدر الأول قبل تدوينه في الكتب، وقبل فساد اللغة، وغايته تبديل لفظ بلفظ يصح الاحتجاج به فلا فرق، على أن اليقين غير مشروط بل الظن كاف.