ورد الثاني بأنه لا يلزم من عدم استدلالهم بالحديث عدم صحة الاستدلال به.
والصواب: جواز الاحتجاج بالحديث للنحوي في ضبط ألفاظه، ويلحق به ما روي عن الصحابة، وأهل البيت، كما صنع الشارح المحقق.
ثم قال صاحب الخزانة نقلا عن الدماميني في رد المذهب الذي لا يحتج بالحديث:
"وقد رد هذا المذهب الذي ذهبوا إليه البدر الدماميني في شرح التسهيل -ولله دره فإنه قد أجاد في الرد- قال: قد أكثر المصنف "يريد به ابن مالك صاحب التسهيل"، من الاستدلال بالأحاديث النبوية، وشنع أبو حيان عليه، وقال: إن ما استند إليه من ذلك لا يتم له، لتطرق احتمال الرواية بالمعنى، فلا يوثق بأن ذلك المحتج به لفظه صلى الله عليه وسلم حتى تقوم به الحجة، وقد أجريت ذلك لبعض مشايخنا، فصوب رأي ابن مالك فيما فعله، بناء على أن اليقين ليس بمطلوب في هذا الباب، وإنما المطلوب غلبة الظن، الذي هو مناط الأحكام الشرعية، وكذا ما يتوقف عليه من نقل مفردات الألفاظ، وقوانين الأعراب، فالظن في ذلك كله كاف، ولا يخفى أنه يغلب على الظن أن ذلك المنقول المحتج به لم يبدل؛ لأن الأصل عدم التبديل، لا سيما والتشديد في الضبط والتحري في نقل الأحاديث، شائع بين النقلة والمحدثين. ومن يقول منهم بجواز النقل بالمعنى، فإنما هو عنده بمعنى التجويز العقلي، الذي لا ينافي وقوع نقيضه فلذلك تراهم يتحرون في الضبط، ويتشددون مع قولهم بجواز النقل بالمعنى، فيغلب على الظن من هذا كله أنها لم تبدل، ويكون احتمال التبديل فيها مرجوحا فيلغى، ولا يقدح في صحة الاستدلال بها.