ادعى أن حديث أبي هريرة عند الشيخين خاص بأبي شاه، ولم يبين لنا وجه تلك الخصوصية. ومن المقرر عند العلماء أن دعوى الخصوصية بلا دليل غير مقبولة. فإن أراد بالخصوصية أن قوله صلى الله عليه وسلم: اكتبوا لأبي شاه، خاص بخطبته عام فتح مكة فذلك صريح الحديث. لكن لا يدل على منع الكتابة في غير خطبته هذه، أو لغير أبي شاه؛ لأنه لا فارق بين خطبته في هذا المقام، وبين سائر أحاديثه في وجوب العناية بحفظها ووجوب تبليغها، كما أنه لا خصوصية لأبي شاه عن غيره من سائر الصحابة رضي الله عنهم، بل عن جميع المكلفين. فإن قيل: يحتمل أنه كان سيئ الحفظ قلنا: ويحتمل أنه أراد أن يضم الكتابة إلى الحفظ، والاحتمالات بابها واسع. فالمصير إلى احتمال معين ودعوى أن ما عداه باطل محض تحكم.
وأما حديث أبي هريرة الثاني فقد سكت عنه. وهو ما رواه البخاري في صحيحه عن همام بن منبه قال: سمعت أبا هريرة يقول: ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حدثا مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب"، ولا يلتفت إلى الطعن في همام بعد تخريج البخاري له في الصحيح. ونحن نستدل بهذا الحديث على أن كتابة الحديث جائزة بل مستحبة، فإن ابن عمرو فعلها، وأبو هريرة لم ينكر عليه بل جعل ذلك من محاسنه، وأنه من أجل ذلك كان أكثر حديثا منه: قال في فتح الباري وروى أحمد، والبيهقي في المدخل من طريق عمرو بن شعيب، عن مجاهد والمغيرة بن حكيم قالا: سمعنا أبا هريرة يقول: ما كان أحد أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه