تسع وحضره الحاج من أهل بلدان مختلفة، وشعوب متفرقة فأقام لهم مناسكهم، وأخبرهم عن رسول الله بما لهم وما عليهم. وبعث علي بن أبي طالب في تلك السنة فقرأ عليهم في مجمعهم يوم النحر آيات من سورة براءة، ونبذ إلى قوم على سواء، وجعل لقوم مددا، ونهاهم عن أمور، فكان أبو بكر وعلي معروفين عند أهل مكة بالفضل والدين، والصدق، وكان من جهلهما، أو أحدهما من الحاج وجد من يخبره عن صدقما وفضلها. ولم يكن رسول الله ليبعث واحدا، إلا والحجة قائمة بخبره على من بعثه إليه إن شاء الله.
قال الشافعي: وقد فرق النبي عمالا على نواحي عرفنا أسماءهم، والمواضع التي فرقهم عليها. وكل من ولي فقد أمره أن يأخذه ما أوجب الله على من ولاه عليه، ولم يكن لأحد عندنا في أحد ممن قدم عليه من أهل الصدق، أن يقول أنت واحد، وليس لك أن تأخذ منا ما لم نسمع رسول الله يقول أنه علينا. ولا أحسبه بعثهم مشهورين في النواحي، التي بعثهم إليها بالصدق، إلا لما وصفت من أن تقوم بمثلهم الحجة على من بعثه إليه.
قال الشافعي: ولم تزل كتب رسول الله تنفذ إلى ولاته بالأمر والنهي، ولم يكن لأحد من ولاته ترك إنفاذ أمره، ولم يكن ليبعث رسولا إلا صادقا عند من بعثه إليه، وهكذا كانت كتب خلفائه بعده، وعمالهم وما أجمع المسلمون عليه من أن يكون الخليفة واحدا، والقاضي واحدا، والأمير واحدا والإمام واحدا قال: والولاة من القضاة وغيرهم يقضون، وتنفذ أحكامهم ويقيمون الحدود، وينفذ من بعدهم أحكامهم، وأحكامهم أخبار عنهم.
قال الشافعي: ففيما وصفت من سنة رسول الله، ثم ما أجمع المسلمون عليه منه دلالة على فرق بين الشهادة، والخبر، والحكم.