الحسن بن علي رضي الله عنه تنازل له عن الخلافة، طائعا، مختارا ولم يقاتله يوما واحدا، وأنه كان يترحم على علي كرم الله وجهه، وقد طلب إلى ضرار الصدائي أن يصف له عليا فاستعفاه، فأبى فوصفه له بأبلغ وصف، فبكى معاوية رضي الله عنه، وقال: رحم الله أبا الحسن، فقد كان كذلك، وأثبت التاريخ أيضا أنه كان حليما واسع الحلم، سياسيا ثاقب النظر، فلا يعقل بعد هذا كله أن يأمر المغيرة أو غيره بإثارة فتنة، يكون من ورائها تمزيق الوحدة وتفريق الكلمة.
نعود بعد ذلك إلى زعمهم أن الأمويين استغلوا أمثال الإمام الزهري في وضع الأحاديث، التي تتفق وميولهم، وهذا محض افتراء على أئمة الدين لا سند له من الواقع. وقد شهد للإمام الزهري بالورع، والحفظ والضبط مئات بل ألوف من فحول العلماء، فالشافعي يقول فيه:
"لولا الزهري لذهبت السنن من المدينة"، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه يقولان فيه:"أصح الأسانيد مطلقا الزهري، عن سالم، عن أبيه"، وعمرو بن دينار يقول فيه:"ما رأيت أنص للحديث من الزهري، وما رأيت أحدا الدينار والدرهم أهون عنده منه أن كانت الدنانير والدراهم بمنزلة البعر"، أفنترك مثل هذه الشهادات الثابتة إلى أقوال شرذمة من أئمة الكفر، ليسوا من الإنصاف في شيء.، ودعوى أن حديث:"لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد"، من وضع الزهري، تبعا لميول الحكام السياسية ... إلخ. دعوى خاطئة كاذبة فإن الزهري، ثقة بإجماع أئمة المسلمين، فلو انفرد بهذا الحديث لكان صحيحا لا ريب فيه، فكيف ولم ينفرد به، وقد أخرجه مسلم من غير طريقه١ في آخر