للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السجستاني فيقول: "حدثنا أبو عبد الله"، مع أنه لم يشتهر بذلك، وقد كرهه العلماء بقسميه ورأوا أن البعد عنه أقرب إلى الثقة بالراوي، والاطمئنان إلى مروياته، وإن كانت كراهتهم للقسم الأول منه أشد، ومع ذلك فلم يجرحوا به الراوي الثقة، ولكنهم احتاطوا لقبول الأحاديث، التي يرويها المدلس أعظم حيطة. فما رواه المدلس بلفظ محتمل لم يبين فيه السمع والاتصال، فحكمه عندهم حكم المنقطع من الأحاديث. وما رواه بلفظ مبين للاتصال نحو "سمعت، وحدثنا، وأخبرنا"، وأشباهها فهو مقبول محتج به. وهذا؛ لأن التدليس ليس كذبا وإنما هو ضرب من الإيهام بلفظ محتمل. ويجري هذا الحكم على الراوي المدلس، إذا ثبت عنه التدليس، ولو مرة كما قال الإمام الشافعي رحمه الله١، ومن ذلك يتبين أن التدليس شيء، والكذب شيء آخر وأن العلماء يقلون أحاديث المدلس إذا كان ثقة، وصرح بما يدل على السماع من تحديث أو أخبار أو نحوهما، وأنهم توقفوا فيما رواه بلفظ موهم، حتى يتبين حال ما عسى أن يكون قد أسقطه من شيوخه أفبعد ذلك يقال: "إن العلماء كانوا يضعون الأحاديث، وإنها ليست في الغالب من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم": إنه لبهتان عظيم.

هذا وقد كان لعلماء الحديث في عصوره المختلفة عناية تامة بالبحث عن المدلسين، من الرواة وحصرهم في بلدانهم، وتمييزهم بأسمائهم ومن أمثلة ذلك ما جاء في معرفة علوم الحديث للحاكم أبي عبد الله قال: أهل الحجاز والحرمين، ومصر، والعوالي وخراسان، والجبال، وأصبهان، وبلاد فارس وخوزستان، وما وراء النهر ليس التدليس من مذهبهم، ولا يعلم أحد من أئمتهم دلس، وأكثر المحدثين تدليسا أهل الكوفة، ونفر يسير


١ مقدمة ابن الصلاح في النوع الثاني عشر.

<<  <   >  >>