للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إحداهما: أفعال العباد يقول المعتزلة: أن أفعال العباد مخلوقة لهم لا لله تعالى، ولهذا استحقوا عليها الثواب والعقاب، ويقول الجمهور: أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى، وليس للعباد فيها سوى جريانها على أيديهم بكسبهم واختيارهم.

والثانية: صفات الله تعالى يقوله المعتزلة: إن الله تعالى منزه عن ثبوت صفات قائمة بذاته، كالسمع والبصر والحياة والقدرة والكلام. أداهم إلى ذلك خوف تعدد القدماء. ويقول الجمهور: إن هذه الصفات من السمع، والبصر ... إلخ قديمة قائمة بذاته تعالى ليست عين الذات ولا غيرها. وقد تفرع على هذا الخلاف في مسألة الصفات خلاف آخر في القرآن، الذي هو كلام الله تعالى أقديم هو؛ لأنه صفة لله جل علاه -وعليه الجمهور- أم حادث مخلوق ككل المخلوقات، فيخلق الله هذه الحروف والأصوات في جسم محدث، يسمعه النبي منه -وإلى ذلك ذهب المعتزلة- وكانوا يحكمون سلطان العقل، ويغلبونه في كثير من أبحاثهم في العقائد، والأحكام حتى أكسبهم ذلك جرأة على الأحاديث، إذا ما صادمت عقائدهم، فكان من السهل عليهم ردها إن لم يجدوا لها تأويلا، ولو كان بعيدا كل البعد، إلا أنه لم يتح للمتكلمين إظهار آرائهم في العامة قبل القرن الثالث، بل كانوا يخشون سلطا العامة أن تبطش بهم كما لم يكن أحد من الخلفاء يناصرهم لمخالفتهم الجمهور الأعظم من المسلمين، فلما جاء القرن الثالث، وقبض على زمام الخلافة المأمون "١٩٨-٢١٨"، وكان ميالا إلى حرية البحث، والمناظرة أفسح المجال أمام المتكلمين، فظهروا بآرائهم ومن ذلك الموت حديث أحداث عظيمة، وقامت معركة هائلة بينهم وبين المحدثين.

كان المأمون بطبعه ميالا إلى العلم شغوفا به، عالما بالكتاب والسنة

<<  <   >  >>