حفظت كتب ابن المبارك، ووكيع وعرفت كلام هؤلاء يعني أصحاب الرأي، قال: ثم خرجت مع أمي وأخي إلى الحج. قال: ولما طعنت في ثماني عشرة صنفت كتاب قضايا الصحابة والتابعين، ثم صنفت التاريخ في المدينة عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وكنت أكتبه في الليالي المقمرة، وقل اسم في التاريخ إلا وله عندي قصة، إلا أني كرهت أن يطول الكتاب.
ارتحل البخاري لطلب الحديث وتنقل في البلاد. قال سهل بن السري: قال البخاري: "دخلت إلى الشام ومصر، والجزيرة مرتين وإلى البصرة أربع مرات وأقمت بالحجاز ستة أعوام، ولا أحصي كم دخلت إلى الكوفة وبغداد مع المحدثين"، وكان لا يجارى في حفظ الحديث سندا ومتنا، مع تمييزه للصحيح منه والسقيم. دخل مرة إلى سمرقند، فاجتمع بأربعمائة من علماء الحديث بها، فجعلوا متون الأحاديث على غير أسانيدها، وخلطوا في الأسانيد، فأدخلوا إسناد الشام في إسناد العراق، ثم قرءوها على البخاري يقصدون امتحانه، فرد كل حديث إلى إسناده، وقوم تلك الأحاديث والأسانيد كلها ولم يقدروا أن يأخذوا عليه سقطة في إسناد ولا متن، وكذلك صنعوا معه في بغداد، فأذعنوا له بالفضل والسبق، وقد ذكروا أنه كان ينظر في الكتاب، فيحفظه من نظرة واحدة، والأخبار عنه في ذلك كثيرة. وقد أثنى عليه علماء زمانه من شيوخه وأقرانه. فقال الإمام أحمد: ما أخرجت خراسان مثله، وقال ابن المديني: لم ير البخاري مثل نفسه، وقال محمود بن النظر بن سهل الشافعي: دخلت البصرة والشام والحجاز، والكوفة ورأيت علماءها كلما جرى ذكر محمد بن إسماعيل البخاري، فضلوه على أنفسهم. وقال أحمد بن حمدون القصار: "رأيت مسلم بن الحجاج جاء إلى البخاري، فقبل بين عينيه، وقال: دعني أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين، وسيد المحدثين وطبيب الحديث في علله، ثم