للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سأله عن حديث كفارة المجلس، فذكر له علته، فلما فرغ قال مسلم: لا يبغضك إلا حاسد، وأشهد أن ليس في الدنيا مثلك وقال الترمذي: "لم أر بالعراق ولا بخراسان في معنى العلل والتاريخ، ومعرفة الأسانيد أعلم من البخاري وقال ابن خزيمة: "ما رأيت تحت أديم السماء أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أحفظ له من محمد بن إسماعيل البخاري"، وكان البخاري رحمه الله من الأئمة المجتهدين في الفقه، واستنباط الأحكام من السنن والآثار، ومما يؤثر عنه قوله: "لا أعلم شيئا يحتاج إليه، إلا وهو في الكتاب والسنة فقيل له: يمكن معرفة ذلك فقال: نعم.

وتراجمه على الأحاديث في كتابه الجامع الصحيح تدل على ذلك. قال إسحاق بن راهويه أحد شيوخه: "لو كان البخاري في زمن الحسن لاحتاج الناس إليه في الحديث، ومعرفته، وفقهه"، وقال أبو نعيم، وأحمد بن حماد وغيرهما: "البخاري فقيه هذه الأمة وقال أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي: "محمد بن إسماعيل البخاري أفقهنا وأعلمنا، وأغوصنا، وأكثرنا طلبا وقال ابن كثير في التاريخ: "ومنهم من فضله في الفقه، والحديث على الإمام أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه"، وقد كان البخاري رحمه الله في غاية الحياء والشجاعة، والسخاء، والورع والزهد في الدنيا شريف النفس بعيدا عن الأمراء والسلاطين حتى إن أمير بخارى خالد بن أحمد الذهلي، طلب إليه أن يحضر ليسمع أولاده منه فأبى أن يذهب. وقال: في بيته يؤتى العلم فأرد الأمير أن يصرف الناس عن السماع منه، فلم يقبلوا من الأمير، فأمر عند ذلك بنفيه فنزح البخاري من بلده إلى بلدة يقال لها: "خرتنك" على فرسخين من سمرقند، وجعل يدعو الله أن يقبضه إليه حين رأى الفتن في الدين، فمرض على أثر ذلك، وتوفي ليلة عيد الفطر عن اثنتين وستين سنة، وقد ترك بعده علما نافعا

<<  <   >  >>