حتى كان لمصر القدح المعلى، دون جميع البلدان إذا بنا نجدها في منتصف القرن العاشر وقد آذنت شمس الحديث فيها بمغيب، وأخذت السنة وعلومها ترحل عنها إلى بلد آخر هو القطر الهندي، ومن هذا الوقت أخذت البلاد الهندية تسعد بخدمة السنة، ودام الأمر على هذا الحال إلى وقتنا هذا قرابة أربعة قرون أو تزيد، ولنتكلم على أشهر الممالك، التي كان لها أثر ملموس في خدمة السنة لهذا العصر:
دور مصر في العناية بالسنة وعلومها:
في هذه الفترة من الزمان -أي بعد سقوط بغداد- كانت مصر محكومة لدولتي المماليك البحرية والبرجية، ويحدثنا التاريخ عما كان عليه هؤلاء السلاطين من حب للعلم وتقدير للعلماء. ومن أجل ذلك شيدوا الجامعات، والمدارس الحديثية، واستقدموا لهذه العرض العلماء من الأقطار البعيدة. وحبسوا الأموال الطائلة على تلك المؤسسات الدينية، والعلمية، وها هي آثارهم الخالدة ماثلة للعيان. تحدث عما كان للقوم من عناية بعلوم الشريعة والسنة.
هذا ولم يقف الأم عند حد المعاونة بالمال أو السلطان. بل لقد انغمر السلاطين في حلبة الدروس مع المتعلمين، وتتلمذوا للعلماء وأئمة الحديث، وتحملوا السنة بأسانيدها الصحيحة، حتى صار بعهم حافظا، يتلقى عنه الحديث ويسمع منه الصحيح، فهذا هو "الظاهر برقوق"، يتفقه على الإمام أكمل الدين "البابرتي"، ويشارك المحدثين في رواية الصحيحين، ويستقدم المسندين أمثال "ابن أبي المجد" من الأقطار النائية. رغبة منه في إعلاء الإسناد لدى المتعلمين بمصر، لسماعهم الحديث من أصحاب الأسانيد العالية، وهذا هو "المؤيد"، يروي الصحيح عن