للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السراج "البلقيني"، حتى إن الحافظ ابن حجر يسمع الحديث من "المؤيد"، ويترجم له في عداد مشايخه في "المعجم المفهرس"، وقد استقدم "المؤيد" إلى مصر العلامة "شمس الدين الديري"، المحدث العظيم، صاحب كتاب "المسائل الشريفة في أدلة مذهب الإمام أبي حنيفة"، وهذا هو "الظاهر جقمق"، يسمع الصحيح من ابن الجزري، ويستقدم كبار المسندين إلى مصر، ليتلقى عنهم المتعلمون مروياتهم في السنة من الصحاح والمسانيد، ويجعل من القلعة المصرية مجمعا علميا للعلماء، وناديا يؤمه طلاب الحديث يتلقون المرويات عن الحفاظ المتقنين، والمحدثين النابهين، وبهذه العناية من السلاطين والأمراء، كانت مصر دار حديث وفقه وأدب طيلة هذه القرون الثلاثة الأولى من هذا الدور، وكانت أسعد بلاد الإسلام حظا بالحديث، وعلومه، وها هي كتب التاريخ قد اكتظت بتراجم لرجال نبهاء، وفطاحل علماء. أنجبتهم مصر في تلك القرون الذهبية، وكانت لهم مؤلفات كثيرة جدا في علوم شتى. بحيث يعدون بحق مفخرة الإسلام، وإن مآثرهم المحفوظة في خزانات العالم، ومكتباته لما يشهد لمصر بالمجد التالد والشرف الرفيع.

استمرت النهضة العلمية بمصر -على ما وصفنا- إلى أوائل القرن العاشر الهجري، إذ بانقراض دولة المماليك البرجية في أوائل هذا القرن، أخذ النشاط العلمي يتضائل ويضمحل، وطفق يرحل شيئا فشيئا إلى بلاد أخرى، ألا وهي البلاد الهندية التي أفسحت صدرها للحديث، وعلومه وسهرت على خدمته فكانت أسعد بلاد المسلمين بعلوم السنة إلى يومنا هذا.

<<  <   >  >>