كان للبلاد الهندية حظ كبير في خدمة السنة -بعد أن كان الهنود قبل منتصف القرن العاشر الهجري منصرفين إلى العلوم النظرية، والأحكام الفقهية المجردة، فمن هذا الوقت أخذوا يعكفون على دراسة الحديث، وعلومه ويعنون برواية السنة وبحث الروايات، وانتقاد الأسانيد، ولو ذهبنا نستعرض ما لهؤلاء الأعلام، من همة عظيمة في علوم الحديث، في الوقت الذي قعدت فيه الهمم عن خدمة السنة، لوقع ذلك موقع الإعجاب والشكر البليغ، فكم لعلماء الهند من شروح ممتعة، وتعليقات نافعة على الأصول الستة وغيرها، وكم لهم من مؤلفات كبيرة في أحاديث الأحكام، وكم لهم من أياد بيضاء في نقد الرجال، وبيان علل الحديث، وشرح الآثار، وكم لهم من مؤلفات في شتى فنون الحديث، وما يتصل به١.
ومما هو جدير بالتقدير، والإعجاب أن هؤلاء القوم لم تفتنهم المدنية الغربية عن دينهم. بل إنها زادتهم تمسكا به وتعصبا له، فكثيرا ما ألفوا الكتب في الرد على القساوسة والمستشرقين، وكثيرا ما كانت تقام مجالس للمناظرة أمام الحكام -الانجليز، فينتصر حق المسلمين على باطل المستشرقين، وكثيرا ما كان يفر هؤلاء القسس من مجالس المناظرة، قبل أن تتم فصولها يجرون أذيال الخيبة ويعثرون في أثواب الهزيمة، هذا ومما يدل على حرص هؤلاء القوم على السنة، وحدبهم على نشر علومها أن بعض المبعوثين منهم إلى جامعات أوربة، كان يشتغل بطبع كتب الحديث، وها هو "الدكتور السيد معظم حسين"، الذي كان يتلقى دروسه بجامعة أكسفورد بانجلترا، يأخذ في طبع كتاب "معرفة علوم
١ عن مقالات العلامة، المرحوم الشيخ محمد زاهد الكوثري ص٧١، وما بعدها بتصرف.