في الخطاب، ثم جاء التابعون سالكين طريقتهم، إلا أن لغة القوم كانت سائرة إلى الاستعجام شيئا فشيئا، فما انقضى عصر التابعين، إلا وقد استحال اللسان العربي أعجميا، واستغلق على الناس فهم كثير من ألفاظ الحديث النبوي، فألهم الله أئمة الدين معالجة هذا الداء العضال صيانة لهذا العلم الشريف، حتى لا يصبح طلاسم أمام عجمة المتأخرين، فتكلم في غريب الحديث جماعة من أتباع التابعين، منهم مالك بن أنس الإمام، وسفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج، ثم تتابع الناس بعدهم في الكلام على هذا الفن، مبينين للناس معاني كلماته المستغلقة، وألفوا في ذلك الكتب القيمة، التي كانت فيما بعد عدة الأجيال المتلاحقة، وذخيرة القرون المتأخرة، ولولا همة هؤلاء الأئمة الأعلام لما انتفعنا اليوم بأحاديث النبي عليه الصلاة والسلام، وإليك نبذة عن تاريخ التدوين في هذا النوع من علوم الحديث:
أول من صنف في غريب الحديث -على ما قيل- أبو عبيدة، معمر بن المثنى التميمي، البصري المتوفى سنة "٢١٠" جمع فيه كتابا صغيرا، ولم تكن قلته لجهله بغيره بل؛ لأن كل مبتدئ في شيء يكون مقلا فيه عادة؛ ولأن الناس كانت لا تزال فيهم بقية من معرفة، وأثارة من علم فلعله قصد إلى ما يخفى على بعض الناس، وترك ما يعرفه كل الناس، ثم جمع أبو الحسن النضر بن شميل المازني، النحوي "٢٠٤" بعده أكثر منه، ثم جمع عبد الملك بن قريب، الأصمعي كتابا أحسن فيه وأجاد، وكان في عصر أبي عبيدة، وكذلك جمع فيه محمد بن المستنير، المعروف بقطرب المتوفى "٢٠٦" وغير هؤلاء من الأئمة، جمعوا أحاديث، وتكلموا على لغتها في أوراق، ولم يكد أحدهم ينفرد عن غيره بكثير، بل كانوا فيما جمعوه متقاربين، ثم ألف من بعدهم أبو عبيد القاسم بن سلام "سنة٢٢٤"