كتابا جليلا: اتخذه الناس العمدة في هذا الفن، ويقال: أنه أفنى فيه عمره إذ جمعه في أربعين سنة، بقي هذا الكتاب يرجع فيه الناس فيما أهمهم، حتى جاء أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة، الدينوري المتوفى سنة٢٧٦، فصنف كتابه المشهور نهج فيه منهج أبي عبيد القاسم، فجاء كتابه مثل كتابه أو أكبر، ولم يودعه من كتاب أبي عبيد القاسم شيئا، إلا ما تدعوا إليه الحاجة، كزيادة شرح أو بيان لفظ، وقال في مقدمته:"أرجو ألا يكون بقي بعد هذين الكتابين من غريب الحديث، ما يكون لأحد فيه مقال"، وممن صنف في ذلك الإمام إبراهيم الحربي، المتوفى سنة٢٨٥ بسط القول في كتابه، واستقصى الأحاديث وأطال بذكر المتون، وأسانيدها مما زهد الناس فيه.
ثم أكثر الناس التصنيف لهذا الفن إلى أن جاء الإمام، أبو سليمان حمد الخطابي البستي، المتوفى سنة٣٧٨، فصنف كتابه المشهور في غريب الحديث، سلك فيه طريقة أبي عبيد القاسم، وابن قتيبة، ووجه همته إلى جمع ما بين في كتابيهما، فكانت هذه الكتب الثلاثة تعد أمهات كتب غريب الحديث المتداولة، غير أنه لم يكن بين تلك الثلاثة، وغيرها من الكتب كتاب مرتب يسهل الاطلاع عليه، فتخلص في هذا العصر عصر الخطابي الإمام، أحمد بن محمد الهروي المتوفى سنة٤٠١، فصنف كتابه المشهور في الجمع بين غريبي القرآن والحديث، مرتبا له على حروف المعجم على وضع لم يسبق إليه، ولم يشحنه بالمتون والأسانيد والرواة، وجمع فيه من غريب الحديث ما في كتب من تقدمه، وزاد عليه، فجاء كتابا جامعا حسن الوضع، إلا أنه جاء الحديث فيه متفرقا في حروف كلماته:
صار هذا الكتاب عدة الناس في معرفة الغريب، وقد اقتفى أثره كثير من الناس، واستدركوا ما فاته أيضا إلى أن جاء جار الله أبو القاسم، محمود بن عمر الزمخشري "سنة٥٣٨"، فصنف كتابه "الفائق"، ورتبه