والأكاذيب، فإن الوحي ما زال ينزل عليه، وكثيرا ما كان يفضح سر المنافقين، لذلك لم يجرؤ أحد أن يتقول على رسول الله -صلى الله عليه وسلم في حياته، فلما كان زمن الشيخين احتاطا كثيرا للأحاديث، وأرهبا المنافقين والأعراب من التزيد فيها كما سبق لك بيانه، ولما أن ولي عثمان -رضي الله عنه، ووقعت الفنتة في زمنه، وجد الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أتباع عبد الله بن سبأ اليهودي، الذي أوقد نيران الفتنة، وألب الناس على خليفة المسلمين حتى قتلوه ظلما، ثم لما ولي علي كرم الله وجهه الخلافة، وكان ما كان بينه وبين معاوية في صفين، افترق الناس إلى شيعة وخوارج، وجمهور كما رأيت وهنا ظهر الكذب على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، واشتد أمره من الشيعة، والخوارج ودعاة بني أمية، لذلك يعتبر العلماء مبدأ ظهور الوضع في الحديث من هذا الوقت "سنة٤١هـ"، وهذا التحديد إنما هو لظهور الوضع في الحديث، وإلا فقد وجد الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل ذلك حتى في زمنه، صلى الله عليه وسلم، ومن أجل ذلك يقول -صلى الله عليه وسلم:"من كذب علي متعمدا، فليتبوأ مقعده من النار"، فما قال النبي عليه الصلاة والسلام ذلك، إلا لحادثة وقعت في عصره كذب عليه فيها، ويستأنس لذلك بما أخرجه ابن عدي في كامله عن بريدة قال: "كان حي من بني ليث على ميل من المدينة، وكان رجل قد خطب منهم في الجاهلية، فلم يزوجوه فأتاهم وعليه حلة فقال: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كساني هذه وأمرني أن أحكم في أموالكم ودمائكم، ثم انطلق فنزل على تلك المرأة التي كان خطبها، فأرسل القوم إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: كذب عدو الله، ثم أرسل رجلا فقال: إن وجدته حيا، فاضرب عنقه، وإن وجدته ميتا فاحرقه بالنار، فجاء فوجده قد لدغته أفعى