فمات فأحرقه بالنار فلذلك، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم:"من كذب علي متعمدا، فليتبوأ مقعده من النار"، وقد ذكر السيوطي في تحذير١ الخواص طائفة من الروايات بهذا المعنى، ولكن كما قلنا: إن هذا كان قليلا نادرا في عهد النبوة.
ثم إن الوضع في الحديث أخذ يشيع، وينتشر في كل عصر وقد حدثناك عن عوامل ذلك في القرون الثلاثة، وعن جهود العلماء في مناهضة الوضاعين. والآن نذكر لك الوسائل، التي اتخذوها في جهاد هؤلاء الكذابين، والطرق التي سلكوها في القضاء على أباطيلهم، فإنهم لم يكتفوا بطريق دون طريق، بل حاربوا أعداء الحديث بكل سلاح، وأخذوا عليهم المسالك، وسدوا في وجوههم جميع الطرق.
سلك علماء الإسلام، وأعلام السنة طريقين. "إحداهما": نظرية فوضعوا القواعد الدالة على وضع الحديث، وأقاموا الإمارات الصادقة على ذلك بما لا يدع مجالا للشك، و"الأخرى": عملية وذلك ببيانهم لأشخاص الوضاعين، وتعريف الناس بهم وبيان الموضوعات، التي وضعوها والأكاذيب التي اختلقوها، وصنفوا في ذلك الكتب المعروفة بكتب الموضوعات، وأصبحت السنة النبوية أمامنا بحذافيرها في الصحاح، والجوامع، والسنن والمسانيد، وغيرها معروفة، وصارت الأحاديث المكذوبة غير خافية على أحد من علماء الحديث، وبذلك سهلت مهمة الوقوف على درجة الأحاديث، أهي صحيحة أم حسنة، أم ضعيفة أم موضوعة مكذوبة، فجزى الله علماء السنة أفضل ما يجزى علماء أمة.