علينا"، وفي هذه المجالس كان صلى الله عليه وسلم، يفيض على أصحابه من الكلم الطيب والعلم النافع، والهدى الرشيد ما يشرح صدورهم ويفعم قلوبهم. وكانوا يحضرون أولادهم مجالس الرسول صلى الله عليه وسلم لسماع حديثه، والتأدب بآدابه، وكان عليه السلام كثيرا ما يستفتي فيفتي أو يسأل، فيجيب أو تقع أمامه الحادثة، فيكشف عن حكم الله فيها، أو تنزل عليه الآية من القرآن، فيفصح عن مراد الله منها، أو يقع من بعض الصحابة عمل لم يكن يعرف حكمه، فيسكت إيذانا منه بأنه جائز في الدين.
ولا تظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان ملكا محجوبا عن رعيته، أو سلطانا مترفعا عن الاختلاط بأفراد أمته. بل كان على عكس ذلك متقلبا بين ظهرانيهم يبلغ رسالة ربه، ويعود مرضاهم، ويشيع موتاهم ويفصل في قضاياهم، ويفض منازعاتهم، ويقضي على اختلافاتهم، وهم في كل ذلك مقبلون عليه بآذان صاغية وقلوب واعية.
هذا ولم تكن الصحابة رضي الله عنهم في حضور مجالسه العلمية، سواء بل كان منهم من يلازمه، ولا يتخلف عنه في الحضر، ولا في السفر كما كان من أبي بكر، وأبي هريرة رضي الله عنهما. وكان منهم من يتخلف عنه في بعض الأوقاف لقضاء مصالحه المعيشية كزراعة، أو تجارة أو نحوها، أو الخروج في سرية إلى غير ذلك. ومع ذلك فكانوا حريصين على ما فاتهم من دروس النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا ما حضروا سألوا واستفسروا. وكان من الصحابة من يشتد به الحرص على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيتناوب حضور مجالسه مع جار له يحضر هذا يوما، وهذا يوما ثم يخبر كل منهما صاحبه عما سمعه في يومه، كما جاء ذلك في صحيح البخاري، عن عمر بن الخطاب أنه كان هو، وجار له من الأنصار يتناوبان مجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويخبر كل منهما صاحبه بما رآه أو سمعه.