أما من بعدت عليهم الشقة، فكانوا إذا نزلت بهم نازلة، وأشكل عليهم حلها فإنهم يضربون أكباد الإبل إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، ليقفوا على حكم الله فيما عرض لهم من الحوادث، وربما مكثوا في أسفارهم الأيام، والليالي ذوات العدد. يروي لنا البخاري في صحيحه، عن عقبة بن الحارث أنه أخبرته امرأة بأنها أرضعته هو وزوجه، فركب من فوره -وكان بمكة- قاصدا المدينة حتى بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله عن حكم الله، فيمن تزوج امرأة لا يعلم أنها أخته من الرضاع، ثم أخبرته بذلك من أرضعتهما، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"كيف وقد قيل"، ففارق زوجته لوقته.
علم النبي صلى الله عليه وسلم أن أصحابه، سيخلفونه من بعده، وسيقع على كاهلهم أمر الإرشاد والتعليم، فأتى في دروسه التعليمية بأمور كان لها أكبر الأثر في توجيه الصحابة، وتعليمهم كيف يضطلعون بمهمة التعليم فيما بعد، ولنذكر لك أمثلة من هديه التعليمي الذي كان منارا اهتدى به أصحابه رضي الله عنهم.
كان من هديه التعليمي عليه السلام أنه إذا سئل عما لا يعلم يسكت منتظرا الوحي من الله بذلك، وكان من هديه صلى الله عليه وسلم، أنه إذا قال كلمة أعادها ثلاثا، حتى تفهم عنه وكان من هديه عليه السلام، أنه ربما طرح المسألة على أصحابه، ليختبر ما عندهم من العلم، وليشحذ أذهانهم للفهم. وكان إذا سئل عن مسألة، فأجاب عنها، فإنه قد يفيض في مسائل أخرى لها مناسبة بالمقام، أو صلة بالجواب، فيستطرد إليها ليفيد السائل والحاضرين علما جديدا، وكان يتخولهم بالموعظة كراهة الملل، حتى أن أصحاب ابن مسعود طلبوا منه أن يحدثهم كل يوم فأبى، وقال: إنما تتخولكم بالموعظة، كما كان رسوله الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا.
كراهة السآمة علينا. وكان صلى الله عليه وسلم، يخص بع أصحابه بالعلم دون بعض مخافة ألا يفهموا فيفتنوا. إلى غير ذلك من الأمثلة، التي إذا تتبعناها في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، اطلعنا منه على خطة حكيمة في توجيه الصحابة، حتى كانوا أساتذة في التعليم أمناء على أحكام الدين، كما ستطلع عليه عند الكلام على السنة في الدور الثاني إن شاء الله.