للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السنة فاجتهد فيه برأيك وهذا عبد الله بن مسعود يقول: "من عرض له منكم قضاء فليقض بما في كتاب الله، فإن لم يكن في كتاب الله فليقض بما قضى فيه نبيه صلى الله عليه وسلم. فإن جاء أمر ليس في كتاب الله ولم يقض فيه نبيه، فليقض بما قضى به الصالحون، فإن لم يجد في كل ذلك فليجتهد برأيه فإن لم يحسن فليقم ولا يستحي". والآثار في الباب كثيرة جدا "أعلام الموقعين جـ١ ص٥١" و"حجة الله البالغة ١-١٢٩".

وكيف يتصور منهم العزوف عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى آرائهم، وهذا علي كرم الله وجهه، يقول: لو كان الدين بالرأي، لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه"، وهذا ابن عباس رضي الله عنه، ومعاذ بن جبل وعبد الله بن عمر، وسهل بن حنيف ومعاوية وأبو بكر، وعمر وعثمان كل هؤلاء يذمون الرأي، ويشيرون باتباع السنن.

فمن هذه الآثار وغيرها ترى أن الصحابة، كانوا وقافين عند الحديث رجاعين إلى السنة، عاملين بها معنيين بأمرها، وإن أشاروا بتقليل الرواية لغرض صحيح، فلا ينبغي أن يفهم منه أنهم زاهدون في السنن، وإلا لنهوا عن الإكثار منها والإقلال. وقد سبق لك عرفان الصحابة بمكانة السنة في الدين الأمر، الذي جعلهم يعنون بها كل العناية، وهم وإن لم يدونوها، كما دونوا القرآن لأمور سنذكرها في مكانها، فقد حفظوها في صدورهم، وضبطوها كل الضبط مع ما كانوا عليه من الاستعداد الفطري في الحفظ، وسيلان الذهن.

وأما ما جاء من ردهم لبعض الأحاديث، فكان منهم إما لضعف ثقتهم بالراوي، وإما لاطلاعهم على ناسخ، أو معارض أقوى، كما حصل من عائشة في حديث رؤية الله ليلة المعراج، وكما حصل من عمر في رده حديث فاطمة نت قيس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجعل لها نفقة

<<  <   >  >>