للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والناس في رغد من العيش وسعادة وأمن، ثم لما أخذوا عليه أمورا وعابوا عليه سياسته في توليته بعض قرابته، انتهز هذه الفرصة قوم من غير المسلمين، أخذوا يذكون نار الفتنة، ويلهبون شعور المسلمين ضد خليفتهم، وقصدهم بذلك الكيد لهذه الأمة، والعمل على قلب هذه الملة، فأثاروا لذلك الغوغاء من الأمصار المختلفة، حتى قتلوا خليفة المسلمين في بيته. ومن ذلك الحين انصدع بناء الإسلام، ودب الشقاق بين جماعة المسلمين، فقد بايع الناس علي بن أبي طالب، ولكن لم تصف له الخلافة يوما واحدا، ولم تستقم له البلاد جميعها. فهذه الشام في يد معاوية الذي قام يطالب بدم عثمان، وامتنع عن بيعة علي حتى يثأر للخليفة المقتول. فوقعت حروب طاحنة بين علي ومعاوية، أكلت كثيرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتهى الأمر بموقعة "صفين" التي آل أمرها إلى التحكيم فرضيه من أصحاب علي جماعة، وأنكره آخرون، وبذلك رجعوا متخاصمين بعد أن جاءوا إخوانا متحابين.

انقسم المسلمون من ذلك الحين إلى "خوارج"، وهم الذين يعدون قبول التحكيم كفرا، فحكموا بكفر علي وأصحابه لقبولهم التحكيم.

"وشيعة"، وهم الذين شايعوا عليا، وقبلوا التحكيم وأصبح لهم عقيدة في الإمامة خاصة بهم "وجمهور"، وهم الذين لم يتلوثوا ببدعة الخروج أو التشيع. وكان منهم فريق مع علي، وفريق مع معاوية وفريق وقف على الحياد، فلم يغمس يده في تلك الفتنة أو يلوثها بهذه الدماء.

أصبح الخوارج خطرا على جيش علي، فاشتغل بحروبهم فكان ذلك قوة لمعاوية الذي كان في أطوع جند. ثم إنه لم يطل الحال على ذلك، حتى تطوع ثلاثة من الخوارج بقتل هؤلاء الثلاثة، الذين كانوا سببا في هذه المنازعات علي ومعاوية، وعمرو بن العاص فنجا من القتل عمرو ومعاوية وأصيب خليفة المسلمين علي كرم الله وجهه، بطعنة من خارجي أثيم يدعى عبد الرحمن بن ملجم. وبقتل علي اجتمع أهل الكوفة، وبايعوا ابنه الحسن فمكث في الخلافة ستة أشهر وأياما. ثم تنازل عنها لمعاوية على صلح أبرم بينهما حقنا للدماء، وذلك سنة إحدى وأربعين التي سميت بعام الجماعة لاجتماع الناس على معاوية. ولكن رغم تنازل الحسن لمعاوية عن الخلافة لم تخمد جذوة الشيعة، ولم تهدأ ثورة الخارج، بل تعالى كل فريق في رأيه واشتط كل حزب في عقيدته، حتى أصبح لكل طائفة منزع ديني خاص، كان له أثره في الحديث والفقه. وسنفرد لكل فرقة فصلا نبين فيه أشهر تعاليمها، وعقائدها وآثارها في الحديث فنقول:

<<  <   >  >>