الأعداد ثم تدوينها، ومن ذلك نشأت الرياضيات، وقد بدأت بالعمليات الحسابية البسيطة دون شك، ومما ساعد على تقدم الرياضيات في بلاد النهرين نشاطها التجاري مع البلدان المجاورة من جهة ومن جهة أخرى حاجتها للأعمال المتعلقة بتنظيم شئون الري وشق الطرق لتيسير التجارة؛ إذ إن هذه الأمور دعت إلى ظهور الموازين والمكاييل والمقاييس المختلفة وحساب المعاملات التجارية وأرباحها والتعرف على خواص الأشكال الهندسية، وقد وجدت بعض المصنفات الرياضية كجداول الضرب وجداول معكوس الأعداد ورفعها إلى قوى مختلفة "الأس" وجذورها، كما وجدت بعض المسائل والقواعد الرياضية التي تحل على أساسها؛ كذلك عرفوا بعض النظريات الهندسية التي تتعلق بتشابه المثلثات ومساحاتها "شكل ٤٩"، وعرفوا الكسور -وإن كانوا قد استخدموا الطريقة الستينية- بدلًا من الطريقة العشرية، وتوصلوا إلى حساب مساحات وحجوم بعض الأشكال وعرفوا خواص الدوائر وغير ذلك من الرياضيات الراقية.
ومن الأمور التي اهتم بها أهل الحضارات القديمة عامة وأهل بلاد النهرين بصفة خاصة علم الفلك، وقد بلغ من شهرتهم فيه أن كثيرًا من المؤرخين أصبحوا يعتقدون بأن البابليين هم الذين أسسوا هذا العلم، وقد حظي علم الفلك بين البابليين بشهرة عظيمة لدى الإغريق حتى أخذوا عنه؛ إذ إن أهل بلاد النهرين عنوا منذ أقدم العصور بتدوين ملاحظاتهم عن الأجرام السماوية، وربما كانت حاجتهم إلى ضبط الفصول والتقويم هي السبب في نشأة هذا العلم لديهم وإن كان البعض يظن بأنه نشأ من التنجيم الذي بدأ بمعرفة تأثير النجوم في طبائع البشر والتكهن بمصائرهم،