للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تمييز المقصود بالعمل، وهل هو اللَّه تعالى وحده، أو غيره، أو مع غيره؟ فهي حينئذٍ بمعنى الإرادة، وبها عبر عنها في القرآن كثيرًا، نحو: {تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ}، {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا}، والفرق بينهما إنما يأتي على المعنى السابق عند الفقهاء.

ثم هذا الحديث قد تواتر النقل عن الأئمة بتعظيم موقعه، وكثرة فوائده، وأنه أصل عظيم من أصول الدين، ومن ثَمَّ خطب به صلى اللَّه عليه وسلم كما في رواية البخاري فقال: "يا أيها الناس؛ إنما الأعمال بالنيات" (١)، وخطب به عمر رضي اللَّه تعالى عنه على منبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كما أخرجه أيضًا (٢).

ولذلك قال أبو عبيد: (ليس في الأحاديث أجمع وأغنى وأكثر فائدةً منه، ومن ثَمَّ قال أبو داوود: إنه نصف العلم) (٣).

ووجهه: أنه أجلُّ أعمال القلب والطاعة المتعلقة بها (٤)، وعليه مدارها، فهو قاعدة الدين، ومن ثَمَّ كان أصلًا في الإخلاص أيضًا، وأعمالُ القلب تقابل أعمال الجوارح، بل تلك أجلُّ وأفضل، بل هي الأصل، فكان نصفًا، بل أعظم النصفين كما تقرر.

وقال كثيرون منهم الشافعي: (إنه ثلث العلم) (٥).


(١) صحيح البخاري (٦٩٥٣)، والذي فيه بلفظ: "بالنية" عن سيدنا عمر رضي اللَّه عنه.
(٢) صحيح البخاري (١) عن سيدنا عمر رضي اللَّه عنه.
(٣) ذكره العلامة المناوي رحمه اللَّه تعالى في "فيض القدير" (١/ ٣٢) ونقل فيه عن الإمام أحمد رحمه اللَّه تعالى قولَه: (أصول الإسلام تدور على ثلاثة أحاديث: "الأعمال بالنية"، و"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه. . فهو رد"، و"الحلال بين، والحرام بين". وقال أبو داوود: مدار السنة على أربعة أحاديث: "الأعمال بالنية"، وحديث: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"، وحديث: "الحلال بين والحرام بين"، وحديث: "وإن اللَّه طيب لا يقبل إلا طيبًا". . .)، ونظمها العلامة طاهر بن معوذ رحمه اللَّه تعالى -كما في "الفتوحات الوهبية" (ص ٥٣) - فقال: (من الخفيف)
عمدة الدين عندنا كلماتٌ ... أربعٌ من كلام خير البريَّةْ
اتق الشبهات، وازهد، ودع ما ... ليس يعنيك، واعملَنَّ بنيَّةْ
(٤) قوله: (ووجهه أنه) أي: الحديث باعتبار ما اشتمل عليه من النية، يعني أن النية أجلُّ أعمال القلب، و (أل) للجنس، فالضمير في قوله: (والطاعة المتعلقة بها) يعود إلى القلب باعتبار الجنس، ويدل على هذا ما وجد في نسخ "شرح الشيخ الشبرخيتي" (ص ٥٢): (المتعلقة به) بالتذكير، فليتأمل. اهـ هامش (غ)
(٥) أخرجه البيهقي عن الإمام الشافعي رحمهما اللَّه تعالى في "معرفة السنن والآثار" (٥٨٩).

<<  <   >  >>