للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ففيه ندب تنظيف الثياب، وتحسين الهيئة بإزالة ما يؤخذ للفطرة، وتطييب الرائحة عند الدخول للمسجد، وعلى نحو العلماء، وندب ذلك للعلماء والمتعلِّمين؛ لأنه معلِّمٌ؛ بدليل: "يعلمكم دينكم"، ومتعلِّمٌ بمقاله وحاله، ومن ثَمَّ استحبَّ عمر رضي اللَّه عنه البياض للقارئ، واستحبه بعض أئمتنا لدخول المسجد.

أقول: ينبغي ندبه لكل اجتماعٍ ما عدا العيد إذا كان عنده أرفع منه؛ لأنه يوم زينةٍ وإظهارٍ للنعمة.

(ولا يعرفه منا أحدٌ) (١) لا ينافي أنه كان يأتي النبي صلى اللَّه عليه وسلم في صورة دحية الكلبي رضي اللَّه تعالى عنه؛ لأن ذلك كان غالبًا لا دائمًا، وأيضًا زاد في العماية عليهم؛ إذ هيئته هيئة حضريٍّ ساكنٍ معهم بالمدينة، وهم عارفون بمن فيها، وسؤاله سؤال أعرابيٍّ جاهلٍ بالدين لا إلمامَ له بالمدينة، وإلَّا. . لما جهل ذلك، وهذا صريحٌ في أنهم رأوه (٢)، وأما ما وقع عند أحمد عن غير عمر: (ونسمع رجْعَ النبي صلى اللَّه عليه وسلم ولا نرى الذي يكلِّمه ولا نسمع كلامه) (٣). . فيرده حديث عمر هذا الأصح منه.

(حتى جلس إلى) قد يشكل التعبير بها هنا؛ لأنها لانتهاء الغاية، وهو إنما يكون في ممتدٍّ كالسفر، دون الجلوس؛ إذ لا امتداد فيه، فلتكن بمعنى (عند) أو (مع).

(النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه) صريحٌ في أنه جلس بين


(١) قوله: (ولا يعرفه منا) أي: معشر الصحابة، وقدمه للاهتمام (أحد) وإنما لم يقل: (ولم يعرف) لئلا يوهم أنه صلى اللَّه عليه وسلم لا يعرفه وليس كذلك، فإن قيل: كيف عرف عمر أنه لم يعرفه منهم أحد؟ فالجواب: يحتمل أنه استند فيه إلى ظنه إلى صريح قول الحاضرين، قال الحافظ أبو الفضل ابن حجر: ويعين الثاني أنه قد جاء كذلك في رواية عثمان بن غياث: فنظر القوم بعضهم إلى بعضٍ وقالوا: ما نعرف هذا. اهـ "مدابغي"
(٢) قوله: (وهذا صريحُ في أنهم رأوه) ذكر الغزالي وآخرون أن رؤية الملائكة ممكنةٌ إلا أنها كرامةٌ يُكْرم اللَّه بها من شاء من أوليائه، ووقع ذلك لجماعةٍ من الصحابة، ولما رأى ابنُ عباسٍ جبريلَ. . قال له النبي صلى اللَّه عليه وسلم: "لن يراه خلقٌ إلا عمي إلا أن يكون نبيًا ولكن يكون ذلك آخر عمرك" رواه الحاكم، وكذا رأته عائشة وزيد بن أرقم وخلق لما جاء فسأل عن الإيمان ولم يعموا؛ لأن الظاهر أن المراد: من رآه منفردًا به كرامة له، كذا في "فتاوى الشارح الحديثية" اهـ "مدابغي"
(٣) مسند الإمام أحمد (٤/ ١٢٩) عن سيدنا أبي عامر الأشعري.

<<  <   >  >>