للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالأفعال الاختيارية، والعلمُ بصدق مدعي النبوة عند وجود سببه وهو مشاهدة المعجزة. . حاصلٌ قهرًا عليه.

وقيل: هو من باب الكلام النفسي، وعليه إمام الحرمين وغيره (١)، وظاهر كلام الشيخ أبي الحسن الأشعري أنه كلامٌ للنفس، وأن المعرفة شرطٌ فيه؛ إذ المرادُ بكلام النفسِ: الاستسلامُ الباطن والانقياد لقبول الأوامر والنواهي، وبالمعرفةِ: إدراكُ مطابقة دعوى النبي صلى اللَّه عليه وسلم للواقع؛ أي: لتجليها للقلب وانكشافها له، وذلك الاستسلام إنما يحصل بعد حصول هذه المعرفة.

ويحتمل أن كلًّا من هذينِ المذكورينِ ركنٌ (٢)، فلا بد من المعرفة -إن جعلناها شرطًا أو ركنًا- ومن ضم الاستسلام لها؛ لما مرَّ من ثبوتها مع الكفر، وقهرًا على النفس، وتعلقُ التكليف بها مع ثبوتها قهرًا في قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} أريد به تحصيل أسبابها من القصد إلى النظر في آثار القدرة الدالة على وجوده تعالى ووحدانيته، وتوجيه الحواس إليها، وترتيب المقدمات المأخوذة من ذلك على الوجه المؤدي إلى المقصود.

وظاهر كلام "شرح المقاصد": أنه لا يكتفى بذلك العلم القهري، بل لا بد من تحصيله بَعْدُ بطريق الاستدلال، ورُدَّ: بأن حصول الاستسلام الباطني بعد حصول العلم القهري حصولٌ للمقصود مغنٍ عن استحصاله بتعاطي أسبابه، فالوجه: الاكتفاء بحصول القهري المنضم إليه الاستسلام، والتكليفُ بتعاطي الأسباب إنما هو لمن لم يحصل له ذلك العلم القهري.

وأخذ بعضهم من أنه لا بد من ضمِّ الاستسلام إلى المعرفة أن مفهوم الإسلام لغةً -الذي هو هذا الاستسلام- جزءٌ من مفهوم الإيمان، وأطلق بعضهم اسم المرادف عليهما (٣).


(١) انظر "كتاب الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد" (ص ٣٩٧).
(٢) قوله: (من هذين المذكورينِ) أي: الاستسلام والمعرفة. اهـ "مدابغي"
(٣) قوله: (وأخذ بعضهم. . . إلخ) حاصله: أن الإيمان والإسلام في اللغة متباينان؛ إذ مدلول الإسلام لغةً: الخضوع والانقياد، ومدلول الإيمان لغةً: التصديق، ولا يلزم من تصديق شخصٍ مثلًا لآخر خضوعه والانقياد له وبالعكس، وفي الشرع: متلازما المفهوم، متحدا الماصدق. اهـ "مدابغي"

<<  <   >  >>