للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والأظهر -كما قال بعض المحققين-: أنهما متلازما المفهوم، فلا يعتبر شرعًا في الخارج إيمانٌ بلا إسلامٍ (١)، ولا عكسه، وأن التصديق قولٌ للنفس مغايرٌ للمعرفة وإن نشأ عنها؛ إذ هو لغة: نسبة الصِّدق بالقلب أو اللسان إلى القائل، وهو فعلٌ، وهي ليست فعلًا، بل من قبيل الكيف (٢)، فكلٌّ منها ومن الاستسلام خارجٌ عن مفهوم التصديق لغةً وإن اعتُبِرا شرعًا في الإيمان.

ثم اعتبارهما فيه شرعًا إما على أنهما جزآن لمفهومه شرعًا، أو شرطان لاعتباره لإجراء أحكامه شرعًا، والثاني هو الراجح؛ لأن الأول يلزمه نقل الإيمان عن معناه اللغوي إلى معنًى آخر شرعي، والنقل خلاف الأصل، فلا يصار إليه بغير دليل، بل الدليل على خلافه؛ لأنه كثر في الكتاب والسنة طلبه من العرب، ولم يستفسر مَنْ أجاب إليه عن معناه اللغوي.

ووقوعُ استفساره عن بعضهم إنما هو عن متعلقه؛ بدليل أن جبريل لما سأل عنه. . أجابه صلى اللَّه عليه وسلم بذكر المتعلق حيث (قال: أن تؤمن. . . إلى آخره) ففسَّره بمتعلقاته، ولم يفسر لفظه، بل أعاده بقوله: "أن تؤمن" لأنه كان معروفًا عندهم، لا نزاع في أنه لغةً: لمطلق التصديق، وشرعًا: تصديقٌ بأمورٍ خاصةٍ، وهي المعلومة من الدين بالضرورة كما مر.

فهو تصديقٌ بها بالمعنى اللغوي، وانتفاؤه بانتفاء المعرفة، والاستسلام لا يستلزم جزئيتهما؛ لمفهومه شرعًا؛ لجواز كونهما شرطين له شرعًا، فظهر أنه يمكن ثبوت التصديق لغةً بدونهما (٣)، وأن هذا الثبوت يمكن مجامعة الكفر له (٤)؛ إذ لا مانع عقلًا أن يصدق جبارٌ نبيا ويقتله لنحو حمقٍ أو غلبة هوًى، فقتله لا يدل على انتفاء


(١) فقبول الأحكام الظاهرة إسلامٌ عند الناس مطلقًا، وعند اللَّه تعالى بشرط التصديق، والتصديق مع المعرفة إيمان، لكن إجراء أحكام الشرع موقوف على التلفظ بالشهادتين فلا دور، واللَّه أعلم. (قدقي) اهـ هامش (غ)
(٢) في بعض النسخ: (من قبيل الكف).
(٣) أي: المعرفة والاستسلام.
(٤) قوله: (وأن هذا الثبوت) أي: ثبوت التصديق المجرد عن المعرفة والاستسلام يمكن مجامعة الكفر له، فبهذا اندفع الاستشكال المذكور.

<<  <   >  >>