للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التصديق به من أصله كما ظنه بعض الأئمة، بل على أن ما عنده من التصديق غير منجٍ له شرعًا من الخلود في النار.

فالحاصل: أن اللَّه سبحانه وتعالى رتب على التلبس بالإيمان لازمًا لا يتخلَّف عنه، هو سعادة الأبد، وعلى ضده شقاوته، وهي لازم الكفر شرعًا، وأنه اعتُبِرَ في ترتُّب لازم الإيمان وجودُ أمورٍ بعدمها يترتب لازم الكفر.

فمنها: تعظيمه سبحانه وتعالى، وتعظيم نحو أنبيائه، وترك السجود لنحو صنم، والاستسلام باطنًا لقبول أوامره ونواهيه، الذي هو معنى الإسلام لغة.

ومن ثَمَّ اتفق أهل الحق -وهم فريقا الأشاعرة والحنفية- على أنه لا عبرة بإيمانٍ بلا إسلامٍ وعكسه؛ إذ لا ينفك أحدهما عن الآخر، فعُلم أنه باختلال واحدٍ من تلك الأمور ينتفي لازم الإيمان، لكن الحنفية أشد مبالغةً في رعاية ذلك التعظيم.

ومن ثَمَّ كفَّروا بألفاظٍ وأفعالٍ كثيرة؛ نظرًا منهم إلى أنها تدلُّ على الاستخفاف بالدين؛ كتعمد صلاةٍ بلا وضوء، ودوام ترك سنةٍ استخفافًا بها واستقباحها؛ كإحفاء الشارب (١)، وتحنيك العمامة؛ أي: جعل طرفها تحت حلقه، وغير ذلك مما ذكرنه في كتابي الآتي (٢).

وإذا ظهر لك بيان حقيقة الإيمان وما يتعلق بها. . فلا بد لك من معرفة متعلقه الذي يجب الإيمان به، وهو -كما عرف من حده السابق-: ما جاء به محمد صلى اللَّه عليه وسلم، فيجب التصديق بكل ما جاء به من اعتقاديٍّ؛ وهو ما قصد منه اعتقاده، أو عمليٍّ؛ وهو ما قصد منه العمل.

ومعنى التصديق به: اعتقاد أنه حقٌّ وصدقٌ كما أخبر به صلى اللَّه عليه وسلم، وتفاصيل هذينِ كثيرةٌ جدًّا؛ إذ هي حاصل ما في الكتب الكلامية ودواوين السنة،


(١) قوله: (واستقباحها) بالنصب عطفًا على (استخفافًا)، وبالجر عطفًا على (تعمُّدِ) أي: وكاستقباح السُّنَّة، وفي نسخة: (واستتقباحًا) أي: لها، ثم رأيت في "المسايرة" و"شرحها": (واستقباحها بالجر عطفًا على المواظبة) اهـ، أي: التي أبدلها الشارح بالدوام. وقوله: (كإحفاء الشارب) مثال للسنة، قال شيخنا: يقال عليه: إن مذهبنا -معاشرَ الشافعية أيضًا- أن مَنِ استخفَّ بسنَّةٍ أو استقبحها من حيث كونها سُنَّة. . كفر، فلا خلاف بيننا وبين الحنفية في هذا، فليراجع. اهـ "مدابغي"
(٢) وهو كتابًا "الاعلام بما يقطع الإسلام".

<<  <   >  >>