للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخضوع، والخشوع، وحسن الصمت، واجتماعه بظاهره وباطنه على الاعتناء بتتميمها على أحسن الوجوه.

والثاني: من لا ينتهي إلى تلك الحالة، لكن يغلب عليه أن الحق له سبحانه وتعالى مُطَّلعٌ عليه، ومشاهدٌ له، وقد بينه صلى اللَّه عليه وسلم بقوله: (فإن لم تكن تراه. . فإنه يراك) (١) مشيرًا إلى أنه ينبغي للعبد أن يكون حاله مع فرض عدم عِيانه لربه سبحانه وتعالى كهو مع عيانه؛ لأنه سبحانه وتعالى مطلع عليه في الحالين؛ إذ هو قائم على كل نفسٍ بما كسبت، مشاهدٌ لكل أحدٍ من خلقه في حركته وسكونه، فكما أنه لا يُقْدِم على تقصيرٍ في الحال الأول. . كذلك لا ينبغي له أن يُقْدِم عليه في الحال الثاني؛ لما تقرر من استوائهما بالنسبة إلى اطلاع اللَّه وعلمه وشهود عظيم كماله وباهر جلاله سبحانه وتعالى.

وقد ندبَ أهلُ الحقائق إلى مجالس الصالحين؛ لأنه لاحترامه لهم وحيائه منهم لا يقدم على تقصيرٍ في حضرتهم، وإلى أن العبد ينبغي له أن يكون في عبادة ربه كضعيفٍ بين يدي جبار؛ فإنه حينئذ يتحرَّى ألَّا يصدر منه سوءُ أدبٍ بوجهٍ.

ثم هذان الحالان هما ثمرتا معرفة اللَّه وخشيته سبحانه وتعالى، ومن ثَمَّ عبَّر بها عن العمل في خبر: "أن تخشى اللَّه كأنك تراه" (٢) مجازًا عن المسبب باسم السبب (٣).

قيل: وينبغي أن يكون الجواب قد انتهى عند قوله: (تراه) (٤) وما بعده


(١) قوله: (فإن لم تكن تراه): (إن) للشرط، و (لم تكن) جملة وقعت فعل الشرط، فإن قلتَ: أين جزاء الشرط؟ قلتُ: محذوفٌ تقديره: فإن لم تكن تراه. . فأحسنِ العبادة؛ فإنه يراك، فإن قلت: لِمَ لا يكون قوله: (فإنه يراك) جزاء الشرط؟ قلتُ: لا يصح؛ لأنه ليس مسببًا عنه، وينبغي أن يكون فعل الشرط سببًا لوقوع الجزاء؛ كما تقول في: إن جئتني. . أكرمتك؛ فإن المجيء هو السبب للإكرام، وعدمه سبب لعدمه، وههنا عدم رؤية العبد ليست بسببٍ لرؤية اللَّه تعالى، فإن اللَّه تعالى يراه سواء وجدت من العبد رؤيةٌ أم لم توجد، فإن قلت: ما الفاء في قوله: (فإنه)؟ قلت: للتعليل على ما لا يخفى. اهـ "مدابغي"
(٢) أخرجه مسلم (١٠) عن سيدنا أبي هريرة رضي اللَّه عنه.
(٣) قوله: (مجازًا عن السبب) هو العبادة، وقوله: (باسم السبب) وهو الخشية؛ فإن خشية اللَّه تعالى سببٌ لعبادته.
(٤) أي: الأول.

<<  <   >  >>