للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(ثم قال: يا عمر؛ أتدري من السائل؟) فيه ندبُ تنبيه المعلم تلامذتَه، والكبيرِ مَنْ دونهم على فوائد العلم وغرائب الوقائع؛ طلبًا لنفعهم ومزيد فائدتهم وتيقظهم.

(قلت: اللَّه ورسوله أعلم) فيه حسن ما كان عليه الصحابة رضوان اللَّه تعالى عليهم من مزيد الأدب معه صلى اللَّه عليه وسلم، برد العلم إلى اللَّه وإليه (١).

(قال: هذا جبريل) (٢) اسمٌ أعجميٌّ سريانيٌّ، قيل: معناه: عبد اللَّه، احتجَّت به الحلولية والاتحادية -لعنهم اللَّه تعالى- على مذهبهم الباطل، من جهة أنه روحانيٌّ، وقد خلع صورة الروحانية وظهر بمظهر البشرية (٣).

وكان يظهر في صورة دحية، فيَعْلَمُه النبي صلى اللَّه عليه وسلم ملَكًا، والناس حوله يعتقدونه بشرًا؛ أي: ولم يره صلى اللَّه عليه وسلم على صورته الأصلية إلا مرتين.

قالوا: فإذا قَدر على ذلك وهو مخلوق. . فاللَّه سبحانه وتعالى أقدر على الظهور في صورة الوجود الكلي أو بعضه، قالوا: ويدل له النصوص الدالة على أنه يَرى ولا يُرى، وما ذاك إلا لأنه ماهيةٌ لطيفةٌ.

وجوابه: أن البرهان قاطعٌ باستحالة الحلول والاتحاد عليه، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علوًا كبيرًا، فلا نظر لظواهرَ تقتضي خلافه.

على أنه لا دلالة لهم في ذلك؛ لأن جبريل جسمٌ نورانيٌّ في غاية اللطافة، فقبلتْ ذاتُه التشكل والانخلاع من طورٍ إلى طورٍ، واللَّه سبحانه وتعالى منزهٌ عن الجسمية وسائرِ لوازمها كما مر.

وكونه تعالى يَرَى ولا يُرى، أو أقرب إلينا من حبل الوريد، أو بين المصلي وقبلته


(١) قال العلامة الشبرخيتي رحمه اللَّه تعالى في "الفتوحات الوهبية" (ص ٨٤ - ٨٥) بعد نقله كلام الشارح: (وكذا ذكره الشارح الهيتمي، ومن المعلوم أن ذلك إنما يحسن عده من الأدب لو كانوا يعلمون من السائل وردوا العلم إليه إجلالًا له، وهم كانوا غير عالمين قطعًا إلا أن يقال: فيه حسن الأدب من جهة تفويض العلم إليهما، بخلاف: لا نعلم).
(٢) هكذا في النسخ كلها، واللفظ في نسخ المتن وفي "صحيح مسلم": (قال: فإنه جبريل).
(٣) الحلولية: هم الذين عبدوا كل صورةٍ حسنةٍ؛ لزعمهم أن الإله قد حل فيها؛ أي: نزل ودخل فيها. اهـ "الأنوار لعمل الأبرار" (٢/ ١٠٣)

<<  <   >  >>