للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أذرعٍ. . نُودي: يا أفسق الفاسقين؛ إلى أين؟!) (١) ومثله لا يقال من قِبَل الرأي.

واقتصر في الجواب على أَمارتين مع شمول السؤال لأكثر، ومع أن لها أماراتٍ أُخر صغارًا وعظامًا؛ كالدجال، والمهدي، وعيسى صلى اللَّه على نبينا وعليه وسلم، ويأجوج ومأجوج، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، وكثرة الهرج، وفيض المال حتى لا يقبله أحد، وانحسار الفرات عن جبلٍ من ذهب، وغير ذلك مما ألَّف الناس في استقصائه كتبًا مدونة. . تحذيرًا للحاضرين وغيرهم عنهما؛ لاقتضاء الحال ذلك؛ إذ لعل منهم من تعاطى شيئًا منهما، فزجره عنه، وإن قلنا: إن جعلَ الشيء أمارة لا يقتضي ذمه؛ لأن معناه -كما هو ظاهر-: أنه لا يستلزمه، وإلا. . فالغالب أنه ذمٌّ له.

(ثم انطلق) أي: جبريل (فلبث) (٢) زمنًا (مليًا) بتشديد الياء؛ أي: كثيرًا، من الملوان: الليل والنهار (٣)، وأما المهموز. . فهو من الملاءة؛ أي: اليسار، وفي رواية: (فلبثت) إخبارًا عن نفسه، وبيَّنتْ روايةُ أبي داوود والترمذي وغيرهما أنه لبث ثلاثًا (٤)، وظاهره: أنها ثلاث ليالٍ، وقد ينافيه خبر أبي هريرة: فأدبر الرجل، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: "ردوه" فأخذوا ليردوه فلم يروا شيئًا (٥)، فقال: "هذا جبريل" (٦).

وأُجيب بأنه يحتمل أن عمر لم يحضر قوله هذا، بل كان قد قام فأُخبر به بعد ثلاث.


(١) عزاه الحافظ السخاوي رحمه اللَّه تعالى في "المقاصد الحسنة" (ص ٤٠٥) إلى الطبراني، وعنه أبو نعيم في "الحلية" (٣/ ٧٥) عن الحسن عن أنس مرفوعًا رضي اللَّه عنهما، ثم قال: وله شواهد. وذكره أيضًا الحافظ المنذري رحمه اللَّه تعالى في "الترغيب والترهيب" (٢٨٠٣) عن عمار بن عامر رضي اللَّه عنه، وعزاه لابن أبي الدنيا موقوفًا على سيدنا عمار وقال: (ورفعه بعضهم ولا يصح).
(٢) قوله: (فلبث) أي: النبي صلى اللَّه عليه وسلم؛ يعني أمسك عن الكلام. اهـ "مدابغي"
(٣) هو ملحق بالمثنى فكان القياس (من الملوين) إلا أن يقال: هو على لغة مَنْ يُلزم المثنى الألف، فليراجع. اهـ "مدابغي"
(٤) سنن أبي داوود (٤٦٩٥)، وسنن الترمذي (٢٦١٠) عن سيدنا عمر رضي اللَّه عنه.
(٥) في جميع النسخ: (فأخذوا يردوه) بحذف اللام، والصواب: إثباتها كما في رواية مسلم، ولقد نبه على ذلك العلامة المدابغي رحمه اللَّه تعالى.
(٦) أخرج نحوه البخاري (٥٠)، ومسلم (٩).

<<  <   >  >>