للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويؤخذ منه: أن السِّقط لا يُصلَّى عليه حتَّى يبلغ تلك المدة؛ لأنَّه قبلها جماد، ومعنى نفخه الروح: أنه سببٌ لخلق الحياة عنده؛ لأنه وضعًا: إخراج ريحٍ من النافخ يتصل بالمنفوخ فيه، وهذا غير مؤثرٍ شيئًا، وما يحدث عنده ليس به، بل بإحداث اللَّه تعالى، فهو مُعرِّفٌ عادي، ونسبة الخلق والتصوير إليه فيما مرَّ مجازية؛ لأنه آلةٌ في التصوير والتشكيل بإقدار اللَّه تعالى له بالأفعال؛ قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ}، {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ}.

والإيجادُ على هذا الترتيب العجيب مع قدرته تعالى على إيجاده كاملًا كسائر المخلوقات في أسرع من لحظةٍ: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} كنايةٌ عن مزيد السرعة (١)، وإلَّا. . فلا قول؛ لأنَّه بمجرد تعلُّقِ الإرادة به يوجد في أقل من زمن (كن) لو تصور. . يمكن (٢) أن يقال في حكمته ما قالوه في خلق السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما في ستة أيَّام؛ وهي تعليمه سبحانه وتعالى لعباده التأنِّي في أمورهم.

أو يقال: حكمته: إعلام الإنسان بأن حصول الكمال المعنوي له إنَّما يكون بطريق التدريج، نظيرَ حصول الكمال الظاهر له بتدرُّجه في مراتب الخلق، وانتقاله من طورٍ إلى طورٍ إلى أن يبلغ أشده، فكذلك ينبغي له في مراتب السلوك أن يكون على نظير هذا المنوال، وإلَّا. . كان راكبًا متنَ عمياء، وخابطًا خبطَ عشواء (٣).

(ويؤمر) الملك، ظاهر سياقه: أن هذا الأمر والكتابة بعد الأربعين الثالثة، ورواية البخاري: "إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين، ثم يكون علقةً مثله، ثم يكون مضغةً مثله، ثم يُبعث إليه الملك، فيُؤمر بأربع كلمات: فيكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد، ثم ينفخ فيه الروح" (٤) كالصريحة في ذلك، لكن


(١) في النسخ: (إنَّما أَمْرنا) والصواب ما أثبت. وقوله: (كناية) خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: وما في الآية كناية، أو مفعول مطلق؛ أي: كنى بهذه الآية عن مزيد السرعة. اهـ "مدابغي"
(٢) خبرٌ لقوله: (والإيجادُ على هذا. . .).
(٣) الخبط: الضرب بالأيدي. والعشواء: الناقة التي في بصرها ضعفٌ، تخبط إذا مشت، ولا تتوقَّى شيئًا، والمراد هنا: التسرُّع، وعدم الدقة والتمحيص.
(٤) صحيح البخاري (٧٤٥٤) عن سيدنا ابن مسعود رضي اللَّه عنه.

<<  <   >  >>